ثالثًا- وقوله:﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ جواب للنداء، وهو نفي للحال، ويقابله قوله:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾. أي: لا أعبد الآن ما تعبدون، ولا أنتم تعبدون الآن ما أعبد أنا.
أما قوله:﴿ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ فهو نفي للمستقبل، ويقابله قوله:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾. أي: ولا أعبد أنا في المستقبل، ما عبدتم أنتم في الماضي. ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد الآن، وفي المستقبل.
وعلى هذا فلا تكرار أصلاً في السورة، خلافًا لمن زعم أن هذا تكرار، الغرض منه التوكيد. وبهذا الذي ذكرت تكون الآيات الكريمة قد استوفت أقسام النفي عن عبادته صلى الله عليه وسلم، وعبادة الكافرين، في الماضي، والحاضر، والمستقبل، بأوجز لفظ، وأخصره، وأبينه.
ثم إن في تكرير الأفعال بلفظ الحال والمستقبل، حين أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه، وتكريرها بلفظ الماضي، حين أخبر عنهم، سرٌّ بديع من أسرار البيان، وهو الإشارة والإيماء إلى عصمة الله تعالى له عن الزيغ، والانحراف عن عبادة معبوده، والاستبدال به غيره، وأن معبوده عليه الصلاة والسلام واحد في الحال، وفي المآل على الدوام، لا يرضى به بدلاً، ولا يبغي عنه حولاً، بخلاف الكافرين، فإنهم يعبدون أهواءهم، ويتبعون شهواتهم في الدين، وأغراضهم، فهم بصدَد أن يعبدوا اليوم معبودًا، وغدًا يعبدون غيره.
رابعًا- وقال:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾، فعبَّر عن معبوده بـ﴿ مَا ﴾ دون ﴿ مَنْ ﴾؛ لأن المراد التعبير عن معبوده عليه الصلاة والسلام على الإطلاق دون تخصيص؛ لأن امتناعهم عن عبادة الله تعالى ليس لذاته، بل كانوا يظنون أنهم كانوا يعبدون الله؛ ولكنهم كانوا جاهلين به؛ ولهذا ناسب إيقاع ﴿ مَا ﴾ عليه دون ﴿ مَنْ ﴾ لمَا في الأولى من دلالة على الإبهام، والوقوع على الجنس العام.
وهذا ما أجاب به الشيخ السهلي رحمه الله، ثم ذكر جوابًا آخر؛ وهو:” أنهم كانوا يشتهون مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسدًا له، وأنفة من اتباعه، فهم لا يعبدون معبوده، لا كراهية لذات المعبود؛ ولكن كراهية لاتباعه صلى الله عليه وسلم، وشهوة منهم لمخالفته في العبادة، كائنًا ما كان معبوده، وإن لم يكن معبوده إلا الحق سبحانه وتعالى.. فعلى هذا لا يصح في النظم البديع، والمعنى الرفيع إلا ﴿ مَا ﴾، لإبهامها، ومطابقتها الغرض الذي تضمنته الآية “.
وأقرب من هذا وذاك- كما قال ابن قيِّم الجوزيَّة-:” هو أن المقصود هنا ذكر المعبود، الموصوف بكونه أهلاً للعبادة، مستحقًا لها، فأتى بـ﴿ مَا ﴾ الدالة على هذا المعنى؛ كأنه قيل: ولا أنتم عابدون معبودي، الموصوف بأنه المعبود الحق. ولو أتى بلفظ ﴿ مَنْ ﴾، لكانت إنما تدل على الذات فقط، ويكون ذكر الصلة تعريفًا، لا إنه جهة العبادة. ففرق بين أن يكون كونه تعالى أهلاً لأن يعبد تعريف محض، أو وصف مقتض لعبادته.. فتأمله، فإنه بديعٌ جدًّا “.
خامسًا- ومن يتأمل صيغ النفي في السورة الكريمة، يجد أن النفي لم يأت في حق الكافرين إلا بصيغة الفاعل:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ ﴾. وأما في جهة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء النفي بالفعل المضارع:﴿ لا أَعْبُدُ ﴾ تارة، وبصيغة الفاعل:﴿ وَلا أَنَا عَابِدٌ ﴾ تارة أخرى؛ وذلك- والله أعلم- لنكتة بديعة، وهي أن المقصود الأعظم من ذلك براءته صلى الله عليه وسلم، من معبوديهم بكل وجه، وفي كل وقت؛ ولهذا أتى في هذا النفي بصيغة الفعل الدالة على الحدوث والتجدد، ثم أتى بصيغة اسم الفاعل الدالة على الوصف والثبوت؛ فأفاد في النفي الأول أن تلك العبادة لا تقع منه أبدًا، وأفاد في النفي الثاني أن تلك العبادة ليست من وصفه، ولا من شأنه؛ فكأنه قال عليه الصلاة والسلام: عبادة غير الله تعالى لا تكون فعلاً لي، ولا وصفًا من أوصافي، فأتى بنفييْن لمنفيَّين مقصودين بالنفي.
وأما في حق الكافرين فإنما أتى بصيغة الفاعل الدالة على الوصف والثبوت دون الفعل؛ فأفاد ذلك أن الوصف الثابت اللازم، العائد لله تعالى، منتفٍ عن الكافرين؛ لأن هذا الوصف ليس ثابتًا لهم؛ وإنما هو ثابت لمن خصَّ الله تعالى وحده بالعبادة، ولم يشرك معه فيها أحدًا.
قال ابن قيِّم الجوزيَّة:” فتأمل هذه النكتة البديعة، كيف تجد في طيَّها أنه لا يوصف بأنه عابدٌ لله تعالى، وأنه عَبْدُهُ المستقيم على عبادته، إلا من انقطع إليه بكلِّيته، وتبتَّل إليه تبتيلاً، لم يلتفت إلى غيره، ولم يشرك به أحدًا في عبادته، وأنه، وإن عبده وأشرك به غيره، فليس بعابدٍ لله تعالى، ولا عَبْدًا له سبحانه. وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة، التي هي إحدى سورتيْ الإخلاص، والتي تعدل ربع القرآن، كما جاء في بعض السنن. وهذا لا يفهمه كل أحد، ولا يدركه إلا من منحه الله فهمًا من عنده.. فلله الحمد والمِنَّة “.
أما قوله:﴿ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ فهو نفي للمستقبل، ويقابله قوله:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾. أي: ولا أعبد أنا في المستقبل، ما عبدتم أنتم في الماضي. ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد الآن، وفي المستقبل.
وعلى هذا فلا تكرار أصلاً في السورة، خلافًا لمن زعم أن هذا تكرار، الغرض منه التوكيد. وبهذا الذي ذكرت تكون الآيات الكريمة قد استوفت أقسام النفي عن عبادته صلى الله عليه وسلم، وعبادة الكافرين، في الماضي، والحاضر، والمستقبل، بأوجز لفظ، وأخصره، وأبينه.
ثم إن في تكرير الأفعال بلفظ الحال والمستقبل، حين أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه، وتكريرها بلفظ الماضي، حين أخبر عنهم، سرٌّ بديع من أسرار البيان، وهو الإشارة والإيماء إلى عصمة الله تعالى له عن الزيغ، والانحراف عن عبادة معبوده، والاستبدال به غيره، وأن معبوده عليه الصلاة والسلام واحد في الحال، وفي المآل على الدوام، لا يرضى به بدلاً، ولا يبغي عنه حولاً، بخلاف الكافرين، فإنهم يعبدون أهواءهم، ويتبعون شهواتهم في الدين، وأغراضهم، فهم بصدَد أن يعبدوا اليوم معبودًا، وغدًا يعبدون غيره.
رابعًا- وقال:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾، فعبَّر عن معبوده بـ﴿ مَا ﴾ دون ﴿ مَنْ ﴾؛ لأن المراد التعبير عن معبوده عليه الصلاة والسلام على الإطلاق دون تخصيص؛ لأن امتناعهم عن عبادة الله تعالى ليس لذاته، بل كانوا يظنون أنهم كانوا يعبدون الله؛ ولكنهم كانوا جاهلين به؛ ولهذا ناسب إيقاع ﴿ مَا ﴾ عليه دون ﴿ مَنْ ﴾ لمَا في الأولى من دلالة على الإبهام، والوقوع على الجنس العام.
وهذا ما أجاب به الشيخ السهلي رحمه الله، ثم ذكر جوابًا آخر؛ وهو:” أنهم كانوا يشتهون مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسدًا له، وأنفة من اتباعه، فهم لا يعبدون معبوده، لا كراهية لذات المعبود؛ ولكن كراهية لاتباعه صلى الله عليه وسلم، وشهوة منهم لمخالفته في العبادة، كائنًا ما كان معبوده، وإن لم يكن معبوده إلا الحق سبحانه وتعالى.. فعلى هذا لا يصح في النظم البديع، والمعنى الرفيع إلا ﴿ مَا ﴾، لإبهامها، ومطابقتها الغرض الذي تضمنته الآية “.
وأقرب من هذا وذاك- كما قال ابن قيِّم الجوزيَّة-:” هو أن المقصود هنا ذكر المعبود، الموصوف بكونه أهلاً للعبادة، مستحقًا لها، فأتى بـ﴿ مَا ﴾ الدالة على هذا المعنى؛ كأنه قيل: ولا أنتم عابدون معبودي، الموصوف بأنه المعبود الحق. ولو أتى بلفظ ﴿ مَنْ ﴾، لكانت إنما تدل على الذات فقط، ويكون ذكر الصلة تعريفًا، لا إنه جهة العبادة. ففرق بين أن يكون كونه تعالى أهلاً لأن يعبد تعريف محض، أو وصف مقتض لعبادته.. فتأمله، فإنه بديعٌ جدًّا “.
خامسًا- ومن يتأمل صيغ النفي في السورة الكريمة، يجد أن النفي لم يأت في حق الكافرين إلا بصيغة الفاعل:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ ﴾. وأما في جهة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء النفي بالفعل المضارع:﴿ لا أَعْبُدُ ﴾ تارة، وبصيغة الفاعل:﴿ وَلا أَنَا عَابِدٌ ﴾ تارة أخرى؛ وذلك- والله أعلم- لنكتة بديعة، وهي أن المقصود الأعظم من ذلك براءته صلى الله عليه وسلم، من معبوديهم بكل وجه، وفي كل وقت؛ ولهذا أتى في هذا النفي بصيغة الفعل الدالة على الحدوث والتجدد، ثم أتى بصيغة اسم الفاعل الدالة على الوصف والثبوت؛ فأفاد في النفي الأول أن تلك العبادة لا تقع منه أبدًا، وأفاد في النفي الثاني أن تلك العبادة ليست من وصفه، ولا من شأنه؛ فكأنه قال عليه الصلاة والسلام: عبادة غير الله تعالى لا تكون فعلاً لي، ولا وصفًا من أوصافي، فأتى بنفييْن لمنفيَّين مقصودين بالنفي.
وأما في حق الكافرين فإنما أتى بصيغة الفاعل الدالة على الوصف والثبوت دون الفعل؛ فأفاد ذلك أن الوصف الثابت اللازم، العائد لله تعالى، منتفٍ عن الكافرين؛ لأن هذا الوصف ليس ثابتًا لهم؛ وإنما هو ثابت لمن خصَّ الله تعالى وحده بالعبادة، ولم يشرك معه فيها أحدًا.
قال ابن قيِّم الجوزيَّة:” فتأمل هذه النكتة البديعة، كيف تجد في طيَّها أنه لا يوصف بأنه عابدٌ لله تعالى، وأنه عَبْدُهُ المستقيم على عبادته، إلا من انقطع إليه بكلِّيته، وتبتَّل إليه تبتيلاً، لم يلتفت إلى غيره، ولم يشرك به أحدًا في عبادته، وأنه، وإن عبده وأشرك به غيره، فليس بعابدٍ لله تعالى، ولا عَبْدًا له سبحانه. وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة، التي هي إحدى سورتيْ الإخلاص، والتي تعدل ربع القرآن، كما جاء في بعض السنن. وهذا لا يفهمه كل أحد، ولا يدركه إلا من منحه الله فهمًا من عنده.. فلله الحمد والمِنَّة “.
الأحد يونيو 16, 2013 7:21 pm من طرف سلوى
» إيقاف العادات السيئة يبدأ من الدماغ
الأحد يونيو 16, 2013 7:13 pm من طرف سلوى
» دراستان تنصحان بالتعامل المبكر مع مشكلة زيادة الوزن لدى الاطفال
الإثنين نوفمبر 05, 2012 2:00 am من طرف مريم
» انتبه لغذائك بعد سن الأربعين
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:58 am من طرف مريم
» الكشف عن طريقة لإيقاف تدهور العضلات مع تقدم العمر
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:50 am من طرف مريم
» الوزن الزائد والسمنة يرتبطان بسوء أورام البروستات
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:11 am من طرف مريم
» الاختلاء بامرأة غريبة.. يصيب الرجل بأمراض خطيرة!
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:03 am من طرف مريم
» زيت الزيتون يعزّز صحة خلايا البشرة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 12:16 am من طرف مريم
» مستحضرات التجميل.. تتسبب بسن اليأس المبكر
الإثنين نوفمبر 05, 2012 12:08 am من طرف مريم