[size=24]في اللغةِ والأدبِ
تغيَّرتِ الأحوالُ فجأةً فِي العصر المملوكي على أهلِ الأدبِ والشعرِ، فقد جاءَ المماليكَ أطفالاً ويافعيْنَ بالأسْرِ أو الشراءِ، وتعلَّموا من العربيةِ ما ييُسِّرُ لهم أداء واجباتِهمُ الدينيَّةُ خصوصاً، وعربيَّتهمُ عاميَّةٌ أساساً واستخدموا غالباً مُتَرْجِميْنَ لهم، وكانَ لجهلِهم دورٌ في لجوءِ بعضِ الأدباءِ لاستخدامِ العاميَّةِ في الكتابةِ والشعرِ، وكذلك أبعدَ جهلُهم الشعراءَ عن البلاطِ فكان الشعراءُ المحتَرفونَ قلةً حينها، فلم يعودوا يتكسبونَ بالشِّعْرِ لعدم فهْمِ الحكَّامِ والنبلاءِ (الأغنياءِ – الأعيانِ) الشعرَ، فأُغلقَ البابُ أمام الشعراءِ، وأوَّل من أحسَ بِهذا التغييْرِ الشعراء الذيْنَ استشعرُوا أنَّهمْ محاصرونَ فالبلاطُ مغلقٌ في وجوههِم لكونِ الحاكمِ غريباً لا يفهمُ العربيَّةَ فلا يَهتزُّ للمدحِ ويُغدقُ العطايا، كما وجدوا الجمهورَ جاهلاً غارقاً في الأميَّةِ، فتقوقعُوا وصاروا يكتبونَ شعرَهم في مناسباتٍ كهوايةٍ، ويكرِّرونَ أنفسَهمْ في الأغراض التقليدية بِما حفظوهُ من التُّراثِ، وحاولُوا تفسيْرَ قصور إنتاجِهمُ الأدبِيُّ عند مقارنتهِ بأدبِ الازدهارِ، وكانوا مقتنعيْنَ بِما نسميِّهِ الدوافعَ والأسباب، وهذا الدافعُ إمَّا خارجِيٌّ وإمَّا داخلِيٌّ، قال أحد الشعراء:
أنَـا فِي جيْـلٍ خسـيْسِ *** وقَـبِـيْـلٍ وزمـانِ
أمـدَحُ السلطانَ كَيْ يصـْـبِـحَ مَـالِي فِي أَمـانِ
أكـذا كـانَ أبُـو تَمَّـا *** مٍ قَبْـلِي وابْـنَ هانِي
فيلقي باللائِمةِ على أبناءِ عصرهِ، ويَمدحُ السلطان ولَمْ يَجِدْ كأبِي تَمَّامٍ وابنِ هانِئٍ من يتبنَّاهُ ويُغدقٌ عليهِ العطاءَ، فيمدحهُ خوفاً على مالهِ وحسب.
شاعَ حينذاكَ ما يُسمَّى بالمصادرةِ، حيثُ يأمرُ السلطانُ بأخذِ أموال الناسِ وتَجريدِهمْ منها، كما كانَ الْمُصادَرُ يُعذَّبُ بِما خبَّأهُ من أموالٍ عن عيونِ السلطانِ، وكانتِ المصادرةُ تشملُ العوامَّ والشعراء والأمراء وأصحاب المناصب، يقولُ أحد الشعراءِ:
لِمَنْ أبوحُ بشعري حيْنَ أنظمُهُ *** أمْ من أخِصُّ بِما فيهِ مِنَ الزَّبـَدِ
إمَّا جَهُولٌ فلا يدري مواقعَـهُ *** أو فاضلٌ فهْو لا يَخلُو مِنَ الحسدِ
فعامةُ الناسِ جاهلةٌ لا تعرفُ قيمة الشعرِ، والعارفُ بهِ يقف ضد الشعرِ حسداً، فلا يَجدُ من يَفهمُهُ ففضَّلَ السكوتَ.
وهناكَ هوَّةُ ثقافيَّةٌ بيْنَ طرفيِنِ لَم يعودا متفاهِميْنِ، ولو كانَ تقصيْرٌ في الشعرِ فلأنَّ الظروفَ لا تساعدهُ، يقولُ الشاعرُ عن قلَّةِ الإنصافِ:
قالوا: رفضْتَ كلامَ الشِّعْرِ مطَّرِحاً *** فقلتُ : من قلَّةِ الإنصافِ في زمنِي
لا المدْحُ يورثُـنِي مالاً أُسَـرُّ بهِ *** ولا الْهِجاءُ إلَـى مولَـىً يقرِّبُنِي
وتكلَّمَ آخرونَ عن نظريَّةِ الدوافعِ والأسبابِ، فلا ثوابَ على المدحِ ولا اعتذارٌ فماتتْ موهبتُهمْ لعدم وجود الأسباب، يقولُ السرَّاجُ الورَّاقُ:
وكانَ النَّاسُ إنْ مُـدِحُوا أثَـابُوا *** ولِلْكُـرماءِ بِالْمَـدحِ افْتِـخارُ
وكانَ العذرُ منْ وقْـتٍ لـوقْتٍ *** فَصِرْنَـا لا عَطـاءٌ ولا اعتِذارُ
ويسخرُ الشاعرُ أبو الحسيْنِ الجزَّارُ في النصفِ الثانِي من القرن السابع للهجرةِ من ممدوحٍ تركِيٍّ لا يفهمُ العربيَّةَ، مجسداً الهوة الثقافيةَ :
وكَمْ قابلْـتُ تركياً بِمدحِـي *** فكادَ لِما أُحاولُ منـهُ يَحنقْ
ويلطِمُنِي إذا ما قلْتُ ( ألطِنْ ) *** ويرمقنِي إذا ما قلْتُ (يرمِقْ)
وتسقطُ حُـرمتِي أبَداً لديْـهِ *** فلو أنِّيْ عطسْتُ لقالَ (يَمشِقْ)
استخدمَ كلماتٍ تركيَّةٍ لبيانِ مدى الهوَّةِ الثقافيَّةِ بيْنَ الطرفيْنِ، فليسَ لأبياتِهِ قيْمةٌ فنيَّةٌ سوى تَجسيْدِ ما كانَ يَحصلُ بيْنَ الطبقةِ الحاكمةِ والمحكومةِ.
فالشعرُ أصبحَ هوايةً لا احتِرافاً وصارَ لكلِّ شاعرٍ مهنةٌ، فالسرَّاجُ الورَّاقُ كان ينسخُ الكتبِ، والبوصيْري افتـتحَ كتَّاباً لتعليْمِ الصبيانِ، وأبو الحسيْنِ الجزَّار كانتْ مهنتهُ الجزارةَ وبيَّنَ أنَّهُ بعملهِ الجديد أصبحتِ الكلابُ ترجوهُ لتأكلَ، بينَما كان بالشعرِ يقصدُ الكلابَ وهي توريةٌ للأغنياءِ، فيقولُ:
لا تلمنِي يا سيِّـدي شرفَ الدينِ إذا ما رأيتنِي قَـصَّابـا
كيفَ لا أشكرُ الْجزارةَ ماعشْـتُ حِفاظاً وأرفضُ الآدابا
وبِها أضحَتِ الكلابُ تَرجينِى وبالشعرِ كنْتُ أرجو الكلابا
هنا استخدمَ كلماتٍ من معجمهِ الخاصِّ كاستخدام (ترجينِي) بدل (ترجونِي).
ونلحظُ التكلفَ عندَ الشعراءِ، فالشاعرُ شهاب الديْنِ أحْمد بن عبد الله الدمشقِي المعروف بابن عرب شاه، كتب سيْرة (عجائب المقدور في سيْرة تيْمور)، وكانَ الشاعرُ من رهائنِ تيْمور في حملتهِ على الصيْنِ وعاد بعد وفاتهِ، وأرَّخ الأحداث في الكتاب بلغة السجعِ وفيهِ تكلُّفٌ زائدٌ، ويَخلطُ بيْنَ الفصحَى والعاميَّةِ والتُّركيَّةِ والفارسيَّةِ، ويسوِّغُ في خاتِمةِ الكتابِ هذا الأسلوب، فقالَ: (قلْتُ مضمِّناً شعراً:
والفكْرُ كالبحْرِ يبدي لِي جواهرَهُ *** مع الصَّفاءِ ويُخفيها معَ الكَدَرِ
ويقولُ: (هذا وإنَّ الكلامَ لهُ مقاماتٌ، ولكلٍّ من الفصاحةِ والبلاغةِ درجاتٌ) و(قدْ قيلَ:
إذا أحسسْتَ في لفظِي قصوراً *** وخطِّي والبَرَاعَـةِ والبَـيانِ
فلا ترتبْ لِفهمِي إنَّ رقصـي *** على مقْـدارِ إيقاعِ الزَّمـانِ)
ويقولُمنها أنَّ الأفهامَ كانتْ مدركةً، وكذلك كانتْ قريْحةُ المتكلِّمِ متحرِّكةً، لقدْ صارتِ الأفهامُ جامدةً، والقرائِحُ خامدةً)، فهوَ على تأخُّرهِ يُدركُ قواعد الفصاحةِ والبلاغةِ ويطبِّقُها، ويشيْرُ أنَّهُ لو جاءَ بغيْرِ طريقِ السجعِ لرُفضَ كتابهُ، ويعترفُ بأنَّ العجزَ ليسَ من الآخرِ وإنَّما من الطرفيْنِ معاً.
وخرقَ الشعراءُ قواعد القصيدةِ التقليديَّةِ علَى عدَّةِ مستوياتٍ: هيكل القصيدةِ، والمعجم اللغوي، والموضوعات، فالبوصيْري صاحب المدائِحِ النبويَّةِ كانَ فقيْراً اشتغلَ مدرساً في مجلسٍ أقامهُ، ثُمَّ عرض عليهِ صديقٌ وظيفة الحِسبة وهي دينيَّةٌ فرفضها لأنَّهُ لا يفهمُ فيها ولا يريدُ دخول عالمَ الفسادِ فقالَ:
لاتظلمونِي وتظْـلِموا الحسبةْ *** فليسَ بينِي وبينها نِـسبةْ
غيْريَ في البَيْعِ وَالشِّرَا دَرِبٌ *** وَليس في الْحالتيْنِ لِي دُرْبَةْ
ما سِـوى حرفةِ الكتابةِ لِي *** مِـنْ وَطَرٍ أبتغِي ولا إربةْ
وَالشِّعْرُ مِيزَانُـهُ أُقَـوِّمُـهُ *** وليس تَنْقامُ مِنْه لِي حَدْبَةْ
خرقَ القواعد الشعريَّةِ بِمزجِ العاميِّ بالفصيْحِ، وخرقَ التراكيبَ حيْنَ جعلها عاميَّةً، وقدَّمَ وأخَّرَ كيفما اتفقَ، وقال أبياتُهُ عند الانفعال بالموقفِ كمعظم الشعرِ في عصرهِ، وأدركَ هؤلاء الشعراءُ قاعدة (لكلِّ مقامٍ مقالٌ) واستغلُّوها فدخلَ موضوعه مباشرةً، وتدنَّى المعجمُ اللفظيُّ كثيْراً فخلطهُ بالألفاظِ العاميَّةِ ليوصلَ كلامه لكلِّ الناسِ فالمقامُ يقتضي ذلكَ، كما استخدمَ التراكيبَ العاميَّةَ بألفاظٍ فصيحةٍ مثل (فليسَ بينِي وبينَها نسبةْ).
ولَمْ تكنْ قصائِدهُمْ مقطعاتٍ فقطْ بل هناك قصائد طويلةٌ، كقصيدة البوصيْري عشيةَ العيدِ ولَمْ يكنْ لأولادهِ ثيابٌ وطعامٌ فقصدَ أحد المتنفذِّيْنَ قائلاً:
يا أيها المَوْلَى الوزِيرُ الذي *** أيَّامُـه طَـائـعَـة ٌ أمْـرَهْ
ومنْ لهُ منـزلة ٌ في العُلا *** تَكِلُّ عَنْ أوْصافِـها الفِكْرَةْ
إليكَ نَشْكُو حَـالَنا إنَّـنا *** حاشاكَ من قومٍ أُولِي عسْرةْ
في قِـلةٍ نَحنُ ولكـن لنا *** عَـائلة ٌ فِي غَـايةِ الكَثْرَةْ
وتَقعُ القصيدة بيْنَ ستيْنَ إلَى سبعيْن بيتاً، يستجديْ المولَى الوزير العربِي ويشكو فقر عيالهِ فبعدَ المقدمةِ يشرحُ أحوالَ أبنائِهِ في العيِدِ وليسَ عندهمْ شيءٌ:
وأقبَلَ العيْـدُ ومـا عِنْدَهُم *** قَمْـحٌ ولا خـبْزٌ ولا فِطْرةْ
وينتقلُ من الدراما المحزنةِ إلَى المواقفِ المضحكةِ لينالَ مطلبَهُ، في مشهدٍ مسرحيٍّ فأخت زوجتهِ الميسورة تُحرِّضُ زوجتهُ عليهِ، فيقولُ على لسان الأخت:
قومِي اطلبِي حقَّكِ منهُ بِلا *** تَخلُّفٌ مِـنْكِ ولا فَـتْـرَةْ
وإنْ تأبَّى فخُـذي ذقْـنَهُ *** ثُمَّ انتفِـيها شعْـرةً شعْـرةْ
ويَختتمُ المشهدُ: فهَـوَّنَتْ قدري فِي نفسِها *** فجاءتِ الزَّوجَةُ مُحْـتَـرَّةْ
فاستقبلتْـنِي فهـدَّدْتُهـا *** مِـنْ أوَّلِ الليلِ إلَى بكْـرَةْ
تُمثِّلُ القصيدةُ نفساً شعرياً خاصاً، فلجأ للمبالغة المحببة كشعراء عصرهِ على طريقة الكاريكاتيْر في عصرنا، فهمْ يبالغونَ في الأمرِ إلَى حدِّ السخريةِ، واستخدمَ المعجمَ اللغويَّ الذي يَجمعُ العاميَّ والفصيْحَ لأنَّ المقامَ يقتضي هذا المقالَ، وعندما يستخدمُ تعبيْراً فصيحاً يَختارهُ من أدنَى التعبيْراتِ إلَى العاميَّةِ، لأنَّ المرسِلَ يتوجَّهُ إلَى متلقٍ (مُرسَل إليهِ) أقربُ إلَى الجاهل ولتصلَ إليهِ الفكرةُ اعتمدَ على قواعدِ الرسالةِ.
والتقاطعُ بيْنَ شعراءِ هذا العصرِ واضحاً، ليسَ في أسلوبِ القولِ وطريقتهِ في المعجمِ اللغويِّ وحسب ولكن أيضاً في الموضوعات، فالمحورُ الأساسيُّ في حياتِهمُ الفقْرُ المدقعُ والجهلُ المطبقُ للجمهورِ، فعلى مستوى الموضوعاتِ نذكرُ على سبيل المقارنة الجزَّار والورَّاق، فأبو الحسيْن الجزَّار يتحدَّثُ عن نصفيةٍ (ستْرة) ولفقرهِ يغسلُها بالنشاء الذي يقوِّي نسيْجَ الثوبِ، مستخدماً التعابيْر والألفاظ العامية فيقولُ:
لِي (نصفيّةٌ) تُـعَـدُّ مـنَ الـعُـْمـ *** ـر سنيناً، غسلتُها ألفَ غسلةْ
لا تسلنِي عنْ مُـشْتَـراها فـفـيهـا *** منذُ فصَّلتُها نشـاءً بِجُـملةْ
كـلّ يَـومٍ تُـكَـابِـدُ الـعـَصْـر والـدقَّ مراراً ولا تُقِرُّ بِـعـمْلةْ
هذا الموضوعُ نَجدهُ عند الورَّاق حيثُ التقاطعُ المدهشُ بينهما فيشكو الجوخة لباس الفقراءِ وعبَّرَ بأسلوبٍ ساخرٍ على لسانِها عن حال النفاقَ في عصرهِ:
هـذَا وجُـوخَتِي الزرقاءُ تَحسبُهـا *** مِنْ نسـجِ داودَ في سَرْدٍ وإتقانِ
قلَّبْـتُـها فغَـدتْ إذْ ذاكَ قائِـلَةً *** سُبْحـانَ قلبِي بَـلاَ قلبِي وأبلانِي
إنَّ النِّفـاقَ لَشـيءٌ لسْتُ أعـرفُهُ *** فكيفَ يُطـلَبُ منِّيَ الآنَ وَجْـهانِ
وهناكَ تقاطعٌ في المسكنِ، فصاحبُهما ابنُ دانيال الكحَّال كان يشارِكُهُما في كلِّ شيءٍ، واهتمَّ بتأليف تَمثيلياتٍ بسيطةً كوميديَّةً عن خيال الظلِّ، فيصفُ بيتَهُ في قصيدةٍ طويلةٍ فوصفَ بيتهُ وأثاثهُ ليدلَّ على فقرهِ، فتناولَ الموضوعَ على طريقة الشعراء الظرفاء، ويَختـتمُ بوصفِ ثوبِهِ المرقَّعِ، ومنها:
أصبحْتُ أفقرَ من يروح ويغتدي *** ما في يدي من فاقةٍ إلاَّ يـدي
في منـزلٍ لم يَحْوِ غيْري قاعِداً *** فإذا رقدْتُ رقدْتُ غيْرَ مُمدَّدِ
لَمْ يبقَ فيه سِوى رسومِ حصيْرةٍ *** ومِخَدَّةٍ كانَـتْ لأمِّ الْمُهتدي
ملقىً على طرَّاحَةٍ فِي حشْـوها *** قَمْلٌ كمثلِ السُّمـسم ِالمتبدِّدِ
والفأر يَركضُ كالخيولِ تسابقتْ *** منْ كلِّ جرداءِ الأديمِ وأجرَد
هذا ولِي ثوبٌ تَــراهُ مرقَّعـاً *** مِنْ كلِّ لونٍ مثل ريشِ الهدهدِ
ولغتهُ فصحى سليمةٌ مع استخدام بعض الألفاظ العاميَّةِ، وتقاطعَ معه في موضوع السكنِ ابن الأعمَى المتخصص بوصف الأماكن والأثاث، فيقولُ:
دارٌ سكنْـتُ بِهَا أقـلُّ صفاتِها *** أنْ تكثُرَ الحشراتُ في جَنباتِها
الْخيْرُ عنْها نَـازِحٌ مُـتَـبَاعِدٌ *** والشرُّ دانٍ مِنْ جَميْعِ جِهاتِها
وبعد المقدمةِ الاستهلاليَّةِ يتابعُ على طريقةِ الشعراء الظرفاء تضخيْمَ العيوبِ ويسهبُ في وصفِ الحشراتِ ويَختمُ ببيتٍ كالمطلعِ في حسن الختام، ومنها:
من بعضِ ما فيها البعوضُ عدمته *** كم أعدمَ الأجفان طيبَ سباتِها
وتبيْتُ تسندُها بَـراغيْـثُ متَى*** غنَّتْ لَها رقصتْ على نغماتِها
وبِها ذبابٌ كالضبابِ يسدُّ عيْــنَ الشَّمسِ ما طربِي سوى غنَّاتِها
وبِها منَ الْجرذانِ ما قَدْ قصَّرَتْ *** عنهُ العِـتاقُ الجرْدُ في حملاتِـها
دارٌ تبيْتُ الْجِـنُّ تَحرسُ نفسَها *** فيها وتندِبُ على اختِلافِ لغاتِها
ففي قصيدتهِ الطويلةِ ثلاثة أمورٍ اهتمَّ بِها النقَّادُ في العصرِ المملوكي، وهيَ: المطلعُ والمقطعُ وحسنُ الختامِ، وشاعريتهُ في اختياره بَحْرٌ متناغِمٌ هو الكاملُ والقافيةُ وبراعتهُ في التصويرِ، ويتقاطع مع ابن الأعمى في وصفِ الجرذانِ التِي تَمرُّ مسرعةً لعدم وجود أثاثٍ يعيقُ حركتها، وفي بيت الختام يلخِّصُ الموضوع فالجنُّ تَخشى السكنَ في دارهِ فكيفَ هو؟
وأضافوا موضوع السخرية وهي ليستْ هجاءً كالأدبِ القديْمِ بل سخريةٌ من أنفسِهمْ، وخاصةً السخريةُ المرَّةُ في أحلكِ المواقفِ، فالبوصيْري عمل مرَّةً في ديوان الحسابات الذي يتطلَّبُ إجراء بعض العمليات الحسابيَّةِ، وكانَ غالباً بيْنَ يدي أهلِ الذمَّةِ وكانُوا لا يرغبونَ بهِ فتركهمْ ساخراً منهم:
يغالِطُنِي بعضُ النصارى جَهالةً *** إذا أُوْجِبَ الْمُلغَى وألغى الْموجِبا
وما كانَ مَنْ عدَّ الثلاثةَ واحِداً *** بأعلَمَ منِّيْ في الحسابِ وأكْـَتَبَـا
فطعنَ في عقيدتِهم ساخراً من معرفتِهم بالحسابِ لأنَّهم يعتبِرون الثلاثةَ (الأب والابن وروح القدس) واحداً رغم اختلافِها، من قبيل الفكاهةِ لاالتعصبِ.
ولهُ قصيْدةٌ مشهورةٌ نال من مسؤولِيْ مصرَ عندما عاقبَ حاكمُ صنعاء بعض الشيوخِ بِحلقِ أنصاف لُحاهمْ، وهو عقابٌ نفسيٌّ فقال مستهزئاً ساخراً:
إنَّ حلقَ الذقنِ خيْرٌ للفتَى *** يا بنِي الأعْـمامِ منْ أنْ تنتفا
وَالذي حَلَقَ أنصافَ اللِّحى*** كانَ في الأَحكامِ عَدْلاً مُنصِفا
حَلَّقَ النصفَ بذنبٍ حاضرٍ *** وعَـفا بالنِّـصفِ عمَّا سلفا
وموطنُ السخريةِ أنَّ ترك اللحى علامةً على التُّقَى، وحلقها علامةً على الذنبِ والإساءةِ، فهو لَم يكن متعصباً دينياً بل ناقماً على المسؤوليْن المذنبيْنَ.
والمطيةُ عندهم دلالةٌ على المكانة الاجتِماعيَّةِ فِي عصرِهمْ، وكانت الخيولُ حكراً على الطبقةِ الحاكمةِ، وكانتْ هناك اسطبلاتٌ مشهورةٌ للسلطان تَهتمٌّ بالخيول، وأقل الأمراء مرتبةً يركبُ جواداً واحداً، وعامة الناسِ لهمُ الحميْرُ أو لا شيْءَ، وللقضاةِ والشيوخِ وموظفيْ الديوان ُ البِرْذونُ –كالبغلِ- وكانتْ المطيَّةُ عند الشعراءِ انعكاساً لحالتِهم، فيسخرُ ابن دانيال من مطيتِهِ ليصفَ الأحوال الاجتِماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ لعصرهِ:
قدْ كمَّلَ اللهُ برذونِي بِمنْـقصةٍ *** وشانَهُ بعدما أعْماهُ بالـعَرَجِ
أسيْرُ مثلَ أسيْرٍ وهوَ يعرجَ بِي *** كأنَّهُ ماشياً يَنْـحطُّ من دَرَجِ
واشتهرَ الجزَّارُ بِحمارهِ من خلال وصفهِ لهُ، فكانتْ قصتهُ طريفةً حيْنَ رثاهُ بقصيدةٍ طويلةٍ وشاركهُ زملاؤهُ في التعزيةِ، وذكرض علاء الدينِ الصفدي أنَّهُ اطَلعَ على خمسيْن صفحةً في حمار الجزَّار، وأراد الشعراء النيلَ من ظروف حياتِهمُ الاجتِماعيَّةِ، فيقولُ الجزَّارُ:
هذا حِمارٌ فِي الحميْرِ حِمارُ *** فِي كلِّ خَطْوٍ كَبْوَةٌ وعثارُ
قنطارُ تبْنٍ في حَشاهُ شعِيْرةٌ *** وشعيْرةٌ فِي ظهـرهِ قِنطارُ
وبراعتهُ في جعله لحماره مرتبةً بيْنَ الحميْرِ كالمراتبِ بيْنَ الناسِ، والسخريةُ في تعثرهِ الدائِم وعدم شبعه وعجزه عن حَمْلِ شيءٍ، وبدو أنَّهُ قال ذلك قبلَ أن ينفقَ فلمّا مات رثاهُ كرثاء السلاطيْن وشاركه الناس في تعزيتِهِ، وأراد برثائِهِ أنَّه أفضلُ من رثاء أمراء عصرهِ، وبدأ ببَراعةِ الاستهلالِ قائلاً:
ما كـلُّ حـيْنٍ تنجحُ الأسفارُ *** نفقَ الْحمارُ وبارتِ الأشعارُ
خَرجي على كتفي وها أنا دائرٌ *** بـيْنَ البيوتِ كأنـَّنِي عطَّارُ
ويعرضُ محاسنَ حمارهِ كرثاءِ الأعيانِ: لَمْ أنسَ حـدَّةَ نفسه وكـأنَّهُ *** مِنْ أن تسابـِقُه الرياحُ يغارُ
وتَخـاله في القَـفْرِ جنًّا طائراً *** مـَا كلُّ جنٍّ مثـْلهُ طـيَّار
ويَختمُ قصيدتهُ الطويلةَ بقولهِ: لَمْ أدرِ عـيباً فِـيـهِ إلا أنَّـه *** مَعَ ذا الذكاءِ يقالُ عنه حِمارُ
ولَمْ يتخلَّ الشاعرُ عن الخطاب الشعري المعروفِ في عصرهِ، فيَخلطُ بيْنَ العاميَّةِ والفصحى في المفرداتِ والتراكيبِ، وغرابة الموضوع حمارٌ لهُ كل هذا الرثاء والمديح، لكنَّ المقام وظروف الشاعر وأصحابه دفعتهم لِهذا، ونراهمْ يشاركونَه رثاء الحمار فيْرسلُ البوصيْري إليهِ ساخراً بِمعنَى يكفينا وجودكَ:
فلا تأسَ يا أيُّهذا الأديـْبُ *** عليهِ فللموتِ ما يُولَدْ
إذا أنْتَ عشْتَ لنا بعْـدَهُ *** كفانا وُجودَكَ ما يُفقدْ
والسخريةُ أنَّ الجزار يُجيبُهُ قائلاً: مَنْ ماتَ في عزَّةٍ استراحَ ومَنْ *** خلَّفَ مثلَ الأديبِ ما ماتا
فالسخريةُ كانتْ مناسبةً لَهم لتفريغِ طاقاتٍ كامنةً، وكانتِ الموضوعات البسيطةُ هيَ التِي تثيْرُ اهتِمامهم، ومن الموضوعاتِ التِي كانوا يتخيَّرونَها الشكوى والهجاء ولكن بِخلاف الشعر القديْمِ، فابن دانيال شكتْهُ زوجتهُ للقاضِي فحكمَ عليهِ، فراحَ يشتمُ القاضي ويشرح حالهُ مع زوجهِ، فقالَ:
قلْ لقاضي الفسوقِ والأدبارِ *** عضــدِ البُـلهِ عمدةِ الفجَّارِ
والذي قد غدا سفينةَ جهلٍ *** ولـه مِـنْ قُـرونِهِ كالصَّواري
بكَ أشكو من زوجةٍ صيَّرتنِي*** غَـائباً بيْنَ سَـائرِ الْحضَّـارِ
غبْتُ حتَّى لو أنَّهُمْ صفعونِي *** قلتُ باللهِ كفُّوا عن صفْعِ جاري
وهذه الأبياتُ تُمثِّلُ حالة الشرودِ عندهُ، فلا يشعرُ بالصفعِ ويَحسبهُ لجارهِ، وينتقلُ لتصوير مشهدٍ مختلفٍ في هجاءِ نفسهِ وهنا تقاطعَ مع الحطيئة، فقالَ:
ولكمْ قد رأيْتُ في الماءِ شيْخـاً *** وهوَ جَـاثٍ في الجبِّ كالعيَّـارِ
شيْخُ سوءٍ كالثَّلْجِ ذقْـناً ولكنْ *** وجـهُـهُ في سـوادِهِ كالقَـارِ
أشبـَهُ النَّاسِ بِي وقدْ يُشبِهُ التَّـيْـسُ أخـاهُ فِي حَـوْمـةِ الجـزَّارِ
فاعترانِي رعبٌ وناديْتُ ما كنْـــتُ إخالُ اللصُـوصَ فِي الأزيارِ
ثُمَّ أثخنْتُ ذلكَ الزيْرَ ضـربـاً *** بِحُسامِي حتَّى هـوَى لانْكِسـارِ
يذكِّرنا بِهجومِهِ على الزيرِ محارباً صورته برواية دون كيشوت ومحاربة طواحيْن الهواء وقطعان الماشية، كما تقاطعَ مع الحطيئة في هجائهِ لنفسِهِ عندما نظرَ لصورتهِ في الماءِ، ويبالغُ في الصور لتتفرغَ طاقاتهُ الشعريَّةُ ليظهرَ براعتهُ الشعريَّة، وكانت السخرية كشعراء عصرهِ لمواجهةِ أحوال المجتمع وأعوانه.
إذاً في شعر هذه الفتْرةِ النصف الثانِي من القرن السابعِ للهجرةِ، تعامل الشعراء بنَمطٍ مخالفٍ للقواعد الشعرية التقليدية، فتعاملوا مع القصيدة البسيطة التِي يدلُّ مطلعها على مضمونِها، والمعجمُ اللفظيُّ فصيْحٌ يَحتوي ألفاظاً عاميةً وأنزلُوا الفصحى منْزلة العاميَّةِ، وكانتْ موضوعاتُهم جديدةً غريبةً كالثياب والسكن والمطية، عبَّروا من خلالِها عن الوضع الاجْتِماعي والسياسي وانتَهى هذا الأسلوبُ بوفاتِهم، وتقاطعوا فيما بينَهم في الطريقةِ وكأنَّهم تَخرجُّوا من مدرسةٍ واحدةٍ، فكانَ خطابُهم الشعريُّ واحداً كأنَّه لرجلٍ واحدٍ، وتوخوا البساطةَ والصور الطريفةَ، والمبالغة المحببة في بعض صورهم، ومن منظورنا الحديث فقد صرفوا اهتِمامهم إلَى الرسالةِ لتصل المتلقِّي في عصرهم ذي الثقافة المتواضعةِ أو الجاهلِ، واختفى هذا التيار بعدهم.
أمَّا شعر القرن الثامنِ للهجرةِ فلَمْ يتغيَّرْ حال الشعر والشعراء والذي تكرَّرَ طريقةُ الخطاب، فالشاعر المصري ابن نباتة المعاصر لصفي الدين الحلي وجدَ بلاطاً كبلاط سيف الدولة الحمدانِي للمتنبِّي، وهو بلاط أبي الفداء الأيوبِّي حاكم حَماة وكان بدوره أديباً وشاعراً وكاتباً، فكان ابن نباتة يَمدحهُ ويمدح ابنه الأفضل من بعده ويرثي أقاربه، وكانَ يشعرُ أنَّه في غيْر عصره، فقالَ يشكو:
فكفَى من وضـوحِ حالِي أنِّي *** فِي زمانِي هذا من الأدباءِ
ضاعَ فيهِ لفظي الْجهيْرِ وفضلِي *** ضيعة السيفِ في يدٍ شلاَّءِ
يشكو ضياعَ أدبِهِ بيْنَ معاصريهِ ويرى الزمانَ غيْر زمانهِ أي أن يكونَ في عصر الازدهارِ، ويؤمنُ بِما آمنَ بِهِ أسلافهُ كشاعرٍ محترفٍ فيخاطبُ أبا الفداء:
ولَمَّا بعثْتَ المالَ عـفْواً مهنِّئاً *** تزيَّدَ هذا الشعرُ حسناً مُجدَّدا
وبعد وفاةِ أبِي الفداءِ ينتقلُ ابن نباتة إلَى الاستجداءِ والتكسب بشعره، ولا يَختلفُ استَجداؤهُ عن غيْرهُ، فيقولُ في قصيدةٍ طويلةٍ:
يا صـاحبَ السرِّ وفِي ذكرِهِ *** لِلْمسكِ سرٌّ غيْرُ مكتومِ
عطفاً على ميتٍ من الفقْرِ قدْ *** أصبَحَ فِي حالَـةِ مرحُومِ
وصاحب السر من ألقاب صاحب ديوان الإنشاء وكان عربياً حصراً فاستجداؤهُ للعرب لا للتُّرك، فموضوعاتهُ لا تَختلفُ عن سابقيهِ من حيثُ الاستجداء وشكوى الفقرِ، ولَم يَخرجْ في خطابه الشعري عن الأسلوب التقليدي للقصيدةِ لأنَّهُ ملتزمٌ، وتَختفي من شعره الظرافةُ فيستجدي بِجفاءٍ وإلْحاحٍ ويدخل موضوعه بأسلوبٍ فَجٍّ مباشرٍ وهذا فرقٌ كبيْرٌ بينه وبيْن أسلافهِ، وخطابه موجَّهٌ لفردٍ لا لعامة الناسِ لذا كان الممدوح يَملُّ من الطلبِ دونَ تقديْمِ شيءٍ مُميَّزٍ، ويعرِّضُ بالأثرياء الأشحَّاء الذيْن يدَّعونَ كرههم لنظمهِ وهم في الحقيقة يكرهونَ استجداءهُ، فيقولُ:
قالُوا: كرهْنا منهُ مدَّ لسانِـهِ *** واللهِ ما كرهُوا سوى مدِّ اليدِ
وفي القرن التاسعِ الهجريِّ نَجدُ الشاعرَ ابن مليكٍ الحمويِّ وهو أقربُ لسابقيِهِ من الشعراء في موضوعاتِهم فيقولُ عن خصومهِ الذيْنَ يَحطونَ من قيمتهِ:
إلَى متَى تَخفضُ الشعراءُ قدري *** وتـرفعُ السُّها من كانَ دونِي
ومَـاذا تبتغي الشـعراءُ منِّي *** وقـدْ جاوزْتُ حدَّ الأربعيْـنِ
وكانَ على اطلاعٍ واسعٍ في الثقافة العربيةِ، فبيته الثانِي لشاعرٍ مخضرمٍ فقط بدَّل (تبتغي) إلَى (تدري)، ويشكو الفقر على أسلوبِ الشعراء الظرفاء قائلاً:
قد كانَ لِي صوفٌ عتيْقٌ طالَما *** قدْ كنْتُ ألبسُهُ بغيْـرِ تكلُّفِ
اليومَ لِي قد قالَ حيْنَ قلبتُـهُ *** قلبِي يُحدِّثُنِي بأنَّكَ مُتْـلِـفِي
هنا يتقاطعُ مع الشعراء الظرفاء، فيشكو فقره بصوفته التِي يلبسها دائماً مضمناً أبياتاً لابنِ الفارضِ ليثبتَ موهبتهُ وزيادة الطرافة في قصيدتهِ، ولا تَختلفُ بقيةُ أشعارهِ عن أسلافِهِ في موضوع الاستجداء، فقال بلغةٍ فصيحةٍ تشهد تراجع العاميَّةَ يستجدي مولَىً شاكياً جوعه وأنَّ الأدب لا ينفعهُ:
مولايَ عزَّ الطلبُ *** وبِي أضرَّ السَّغبُ
ولَم يكنْ لشقوتِي *** عـنِّي يُغنِي الأدبُ
وهنا تناصٌّ (تقاطعٌ) مع الأدباء، ويقولُ مستجدياً على طريقة الجزَّار وعصره في قصيدةٍ طويلةٍ بلغةٍ فصيحةٍ لم تكنْ مستعملةً في عصرهِ، فيقولُ:
إليْكَ جئْتُ قـاصِداً *** يا غايتِي ويا قصـدِي
بِالبِرِّ قدْ أوعـدتِنِي *** فَـأوفِ لِي بالوعـدِ
فَمـا ببـتِي سبدَةٌ *** ولـبْـدةٌ ما عنـدي
كلاَّ ولا مـنْ فارةٍ *** بـهِ ولا مِـنْ جَـردِ
في البيتِ الأخيْرِ يتقاطعُ مع أسلافهِ فالسابقونَ كَان الفأرُ يسرح عندهم وهو ليس عنده فأرٌ، ويَختلفُ مع أقرانهِ في اللغةِ والتصويرِ الفنِّي لكنَّ الموقف نفسه فلا يستجدي ولا يَمدح ولكن وفاءً بالوعدِ ما يطلبه، واختلف الخطابُ الشعريُّ باستخدام أسلوب الشعراء القدماء وعاد للتراث في المثل العربِي (ما عنده سبدة ولا لبدة)، وفي قصة امرأة اشتكت للأميْرِ (أشكو إليكَ قلة الفأر في بيتِي) فملأَ بيتها طعاماً، فهو يستجدي لا يَمدحُ لأنَّهُ كانَ من الهجَّائيْنَ عندما لا يِجدُ من يعطيهِ فيهجو الناسَ بِمثل هذا المعجمِ:
أذمُّ إلَى الزمـانِ أُهيـلَ سوءٍ *** يرونَ الغيَّ من سُبُـلِ الرشادِ
تراهمْ من أشدِّ الناسِ حـرصاً *** على الشيءِ الملفَّفِ بالبِجادِ
يبيْتُ نزيْلُهمْ غرثانَ يطـوي *** ومُضطجعاً على شوكِ القَتادِ
فأكْـرمُهُم وأنـداهمْ بغـاثٌ *** جَـمادٌ فِي جَـمادٍ فِي جَمادِ
فالرسالةُ موجَّهةٌ لأديبٍ مثقفٍ لا للعوامِّ لكون المعجمِ جاهلياً فصيْحاً يبتعدُ عن العاميَّةِ ولا يتناسبُ مع العصرِ، ويستعيدُ من التراثِ قصة الأحنف بن قيسٍ سيد بني تَميمٍ حيْنَ مازحهُ معاوية بسؤالهِ عنِ البجاد الذي تُعيَّرُ بهِ تَميمٌ، فأجابهُ (السخينة) وهو طعامٌ لقريش تأكله في المجاعاتِ وتُعيَّرُ بهِ، فالشاعر رغم كون المقام لا يقتضي ذلك يستعرض ثقافته التراثية، ويُمكنُ عدُّ ابن مليكِ في المنطقة الوسطى بيْنَ ابن نباتة والقرن التاسع للهجرة، باستخدام ألفاظٍ متخيَّرةٍ من الجاهليةِ والإسلام، فاختار رسالةً للمثقفيْنَ بالثقافةِ الإسلاميَّةِ، وكانَ يبْرعُ في البحرِ المجزوءِ ليكسبَ شعره الموسيقى والروح البسيطة. [/size]
الأحد يونيو 16, 2013 7:21 pm من طرف سلوى
» إيقاف العادات السيئة يبدأ من الدماغ
الأحد يونيو 16, 2013 7:13 pm من طرف سلوى
» دراستان تنصحان بالتعامل المبكر مع مشكلة زيادة الوزن لدى الاطفال
الإثنين نوفمبر 05, 2012 2:00 am من طرف مريم
» انتبه لغذائك بعد سن الأربعين
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:58 am من طرف مريم
» الكشف عن طريقة لإيقاف تدهور العضلات مع تقدم العمر
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:50 am من طرف مريم
» الوزن الزائد والسمنة يرتبطان بسوء أورام البروستات
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:11 am من طرف مريم
» الاختلاء بامرأة غريبة.. يصيب الرجل بأمراض خطيرة!
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:03 am من طرف مريم
» زيت الزيتون يعزّز صحة خلايا البشرة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 12:16 am من طرف مريم
» مستحضرات التجميل.. تتسبب بسن اليأس المبكر
الإثنين نوفمبر 05, 2012 12:08 am من طرف مريم