بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يجب على المسلم أن يخلص عبادته لربه سبحانه وتعالى، وأن يتعلق قلبه بربه، وأن يصد بقلبه وقالبه عن ما سوى الله تعالى؛ وبذلك يحفظه ربه سبحانه ويحرسه ويحميه ويكلؤه ويعيذه من الشرور، وييسر له الخيرات ويدفع عنه أسباب الهلكات. ومناسبة موضوعنا الذي نتكلم عنه -كثرة السحرة والمشعوذين والكهنة وخدمة الشياطين، وعباد مردة الجن ونحوهم ممن يخدمون الشياطين ويعبدونهم من دون الله؛ حتى أضروا بالمسلمين وحتى أوقعوا بهم هذه الوقائع.
فنتكلم فيه: أولا- عن حقيقة السحر. ثانيا- عن وسائل السحرة، وأسباب وصولهم إلى هذا الأمر. ثالثا- عن أضرارهم وآثارهم في المجتمعات. رابعا- عن حكمهم في الإسلام وما يعاقبون به. خامسا- عن التحصن عنهم، والاحتراز عن أضرارهم، وكذلك علاج ما وقعوا فيه مما يسمى بالنشرة أو العلاج والوقاية.
فنقول: أولا- حقيقة السحر كما ذكر العلماء أنه في اللغة: عبارة عما خفي ولطف سببه. ومنه سمي آخر الليل سحرا، ومنه تسمى الرئة لرقتها سحر في قولهم: انتفخ سحره. تعريف السحر أنه عقد ورقع وأعمال شيطانية يتوصل بها الساحر إلى ما يريده. فمنها ما يقتل ومنها ما يمرض ومنها ما يفرق بين المرء وزوجه. والصحيح أن له مفعولية، وأن له حقيقة، وأن له ضررا ظاهرا يظهر في أعمال من عمله من السحرة.
وقد أنكر بعض علماء المعتزلة حقيقته، وادعوا أنه خيالات، وأنه شعوذة لا حقيقة له؛ ولكن جمهور العلماء على أن له حقيقة، وأنه يؤثر في النفوس، ويؤثر في الأبدان، ويؤثر في المجتمعات؛ ولكن لا يكون إلا بإذن الله تعالى. نزل فيه قول الله تعالى عن اليهود: [وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ] والقصة في اليهود.
ذكر الله تعالى أنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين ؛ يعني ما تقرؤه وما تعمله الشياطين: [عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ] ؛ حيث اتهموا سليمان بأنه ساحر؛ وذلك لأن الله تعالى سخر له: [الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ] وسخر له [وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ]؛ فقالوا: إن سليمان ساحر، ليس هو نبي، فنزهه الله تعالى عن ذلك.
وأخبر بأن الشياطين هم الذين كفروا، وأن كفرهم أنهم يعلمون الناس السحر؛ وأيضا ما كانوا يعملونه من هذا السحر، ثم حكم عليهم بالكفر بذلك بقوله: [وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ] وهذا دليل على أن السحر من عمل الشياطين، فالساحر في الحقيقة عبد للشيطان وعابد له ومتقرب إليه؛ حتى يساعده على عمل السحر كما سنذكر ذلك بعد قليل.
وقد حكى الله عن فرعون وقومه أنهم اتهموا موسى بأنه ساحر؛ وذلك لما جاءهم بآيات معجزات. لما أن عصاه انقلبت حية تسعى، ويده العادية انقلبت بيضاء تتلألأ كأنها قطعة قمر فاتهموه بأنه ساحر، قال تعالى عن فرعون: [ قَالَ لِلْمَلإ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ].
فأمروه أن يؤخره، وأن يأتي بالسحرة أجمعين حتى يلقوا سحرهم ويغلبوه: [فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ] فحكى الله عنهم أنهم [فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ]حكى الله عنهم أنهم ألقوا ما عندهم [وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ] وأن موسى خاف [فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً ] فثبته الله تعالى، [ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ].
فلما فعل ذلك عرف السحرة أنه ليس سحر، وأنه أمر رباني فاهتدوا وخروا سجدا كما حكى الله عنهم [ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ] ؛ فهذه أدلة على أن هناك حقيقة للسحر، وأنه يمكن أن الساحر يغير الحقائق، ويصرف الإنسان عما كان عليه؛ ولذلك قال تعالى: [فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ] دليل على أن السحرة يتعلمون ما يفرقون به بين المرء وزوجه، ويسمى هذا صرفا وعطفا. فالصرف هو التفريق بين المتحابين. والعطف هو الحب الزائد عن قدر الحاجة. فنعرف بذلك أن هذا دليل على أن للسحر حقيقة.
كذلك قد أمر الله بالاستعاذة منه، قال تعالى: [ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَد] [النَّفَّاثَاتِ] السواحر لأن الساحر والساحرة إذا عزم على فعل السحر اجتمعت نفسه الشريرة ثم لابسه شيطانه، ثم أخرج من جوفه ريحا وريقا ممتلئا بذلك الشر، وعقد عليه بذلك الخيط؛ مما يكون سببا للإضرار بمن يريد أن يضره؛ ليكون ذلك مؤثرا فيمن يريد إضراره بهذا السحر. لا شك أن هذا كله من عمل الشياطين، من عمل مردة الجن الذين يساعدونه على مثل هذا.
ما يتوصل به السحرة للسحر
فإذا عرفنا أن هذا حقيقة قول السحرة؛ فإن علينا أن نعرف كيف يتوصلون إلى هذه الأعمال الشيطانية؟!
فأولاً- لا شك أن الساحر بشر. إنسان مثل الواحد منا يعني أنه مركب من جسد وروح، وأن جسده الذي يظهر لنا مثل سائر الناس لا فرق بينه وبين سائر الناس؛ فمع ذلك كيف يتوصل إلى هذا العمل الشيطاني؟! كيف يتوصل إلى ما يريد أن ينفذه من هذه الأعمال؟! لا يتوصل إلا بمساعدة الشياطين، وبمساعدة مردة الجن؛ وذلك لأنهم هم الذين يساعدونه.
ويعينونه، هم الذين ينفذون له ما يريده؛ حتى يضر بمن يريد الإضرار به؛ فلذلك كان الساحر يتمكن من هذا الإغراء. ولكن ليست الشياطين تخدم كل أحد، وإنما تخدم أهلها وتخدم أوليائها وتخدم من خدمها؛ فلذلك الساحر يتقرب إلى الشياطين، ويتقرب إلى مردة الجن؛ حتى يستعبدهم.
بأي شيء يتقرب؟ وكيف يتقرب إليهم؟ أعمال السحرة كثيرة، ويمكن أنكم تعرفون أعمالا أكثر مما نعرفها؛ ولكن نذكر بعض أعمالهم الشيطانية التي صاروا بها كفارا، وصاروا بها مشركين والتي وصل إلينا شيء من أمثلتها.
فمن ذلك الذبح لغير الله. الذبح باسم الشيطان وباسم الجن الفلاني؛ فالساحر يذبح باسم فلان، فيذبح أية ذبيحة أو يأمر من يريد أن ينفذ أمره بالذبح، إذا جاءه إنسان وقال له: أريد أن تسحر فلانا أو فلانة، تعمل له كذا وكذا. فيوصيه ويقول: اذبح دجاجة، أو اذبح سخلة على عتبة بابه، واذكر عليها اسم فلان الشيطان أو الجني، واذبحها ولا تذكر اسم الله، اذبحها من القفا مثلا؛ فإنها تحصل لك ما تريد أي تخدمك الشياطين.
وكذلك أيضا يوصون من يعلمونه بترك العبادات، فيقول: لا يخدمك الشيطان ولا يطيعك إلا إذا تركت الصلاة. اترك الصلاة عشرة أيام، اترك الصلاة أربعين يوما، لا تُصل حتى تخدمك الشياطين وحتى تطيعك. أو كذلك يعرفون أن الشياطين تألف النجاسات وتألف القاذورات؛ فلذلك قد يطيعهم الشيطان، فربما يلطخ بدنه أو ثيابه بالنجاسات بالبول وبالغائط وما أشبه ذلك؛ حتى تأتيه لأن الشياطين يألفون الأماكن المستقذرة النجسة.
ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول بيت الخلاء أن نستعيذ منهم، قال: «إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث، ومن الرجس الشيطان الرجيم» الخبث ذكران الشياطين. والخبائث إناثهم. والشيطان هو المتشيطن من الجن ومن ذرية إبليس. فرجس، نجس، شيطان، رجيم. ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى أحدكم الغائط فليستتر؛ فإن الشياطين تلعب بمقاعد بني آدم»؛ أي حتى تنجسه، توقعه في النجاسة التي تبطل بها صلاته، فيقول: «إن هذه الحشوش محتضرة» الحشوش التي هي أماكن قضاء الحاجة. الحمامات ودورات المياه وأماكن التغوط هذه محتضرة؛ كيف تكون محتضرة؟! تحضرها الشياطين.
فالشاهد من ذلك أن السحرة يلطخون أنفسهم بالقاذورات؛ حتى تأتيهم الشياطين وتطيعهم وتخدمهم وتنفذ لهم ما يريدون من هذه الأعمال السحرية؛ ليتوصلوا بها إلى ذلك.
أثر السحرة على المجتمع
أما أعمالهم فإنها كثيرة، وقد سمعتم وتعلمون منها أمثلة كثيرة. قد ذكر الله تعالى منها: التفريق بين الزوجين في قوله تعالى: [فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ] ؛ أي يعمل الساحر سحرا يفرق به بين الزوجين؛ بمعنى أن الزوج يكره امرأته أو أنها تكرهه وتنفر منه مع وجود المودة بينهما ومع الألفة؛ ومع الصحبة القديمة الكبيرة ومع ذلك يسبب الشيطان التفريق بينهما.
وكذلك أيضا يسبب الشيطان والسحرة التفريق بين الأحبة؛ فكثيرا ما يصرف الرجل عن أولاده الذين هم فلذات كبده؛ بحيث أنه ينفر منهم ويكرههم ويبغضهم ويكون ماقتا لهم، كلما رأى أحدا منهم كرهه وسبه وأبغضه، ولا يدرى ما هو السبب؟! إلا عمل هذا الساحر.
وكذلك ينفر الرجل عن مسكنه بحيث إنه إذا جاء أو دخل في منزله وجد نفرة، ووجد ضيقا وحشرجة، ولا يرتاح إلا إذا خرج من ذلك المنزل.
وهكذا أيضا ينفره عن عمله إذا كان له عمل كصنعة مصنع أو متجر أو معمل من المعامل أو ما أشبه ذلك، يتوصل السحرة إلى أنه يبغض ذلك الموقع الذي يعمل فيه؛ ولو كان فيه ماله؛ ولو كانت فيه تجارته؛ ولو كانت فيه صنعته أو أمواله التي يدخرها والتي يعمل لها، كلما جاء إليها كره ذلك المكان، وضاق به ذرعا، ونفر منه. لا شك أن هذا من آثار عمل هؤلاء الشياطين، والسحرة، ومردة الجن.
وكذلك قد يتوصلون إلى قلب الحقائق كما ذكر ذلك المفسرون أنهم قد يغيرون الحقائق؛ وإن كان ذلك قد لا يكون دائما قلبهم لهذه الحقائق؛ أي كما ذكر أنهم يقلبون الإنسان إلى حيوان كما ورد ذلك في بعض الآثار إلى كلب أو إلى حمار أو ما أشبه ذلك. وكيف يتوصلون إلى ذلك؟! لا يتوصلون إلا بإعانة الشياطين ومردة الجن؛ وذلك لأن الجني هو الذي يتمكن من أن يتمثل بما يشاء، وكذلك الشيطان؛ بل وكذلك الملائكة لهم قدرة على أن يتمثلوا بصور يتمثلون بها.
فالشيطان والجني يظهر أحيانا بصورة إنسان، بصورة هرم أو بصورة شاب، أو بصورة حيوان ككلب أو حمار أو طير، أقدرهم الله تعالى على ذلك؛ لأنهم أرواح فيتمثلون أمام أعيينا بهذه الأمثلة. فإذا صار لهذا الشيطان الإنسي سلطة سلط وليه من الجن على أن يلابس هذا الإنسان، وأن يغير صورته وهيكله إلى أن يقلبه بهيمة أو طيرا أو نحو ذلك، هذا كله بواسطة الشياطين التي تخدمهم.
وقد تخدمه الشياطين وتجري على يديهم أشياء خارقة للعادة، فقد تحمل أحدهم الشياطين والجن وتقطع به مسافة طويلة، كما يحكى عن بعضهم أنهم يركبون عسيب نخل، ثم يطير بهم ذلك العسيب فيقطعون مسافة طويلة؛ حتى يدعي بعضهم أنه يطير من أقصى بلاد الهند يوم عرفة، ويقف مع الحجاج في يوم عرفة، ويرجع في يومه. لا شك أن ذلك بواسطة الجن التي تحمله ومتشيطنة الجن. أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وذكر أنه يعرف من ذلك أمثلة، ويسمي ذلك: الأحوال الشيطانية. فهؤلاء يتوصلون إليه بواسطة عبادة الجن والتقرب إليهم، وعبادة الشياطين وطاعتهم في معصية الله سبحانه وتعالى.
حكم السحر وحد الساحر
فإذا عرفنا ذلك منهم، فبعد ذلك نعرف حكمهم، وكيف يعاملون به. لا شك أن هذا العمل الشيطاني يعتبر كفرا؛ والدليل قول الله تعالى: [وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ] دل على أن كل من علم السحر وتعلمه فإنه يكون كافرا. وكذلك قول الله تعالى: [وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ] ؛ أي فلا تتعلم السحر فتكون كافرا، ينصحانه عن التعلم، فهذا دليل على أن من تعلمه فإنه يكون كافرا.
وكيف يكون كافرا مع أنه قد يدعي الإسلام؟! الجواب أنه عصى الله تعالى وعبد غيره. إذا عرفنا أنه يترك الصلاة أياما؛ حتى تخدمه الشياطين أليس هذا كفرا؟ إذا عرفنا أنه يذبح لغير الله، ويذبح باسم غير الله؛ ولو كان ذبحه عصفورا مثلا أو دجاجة أو سخلة أو بعيرا فإن من ذبح لغير الله فقد أشرك: «لعن الله من ذبح لغير الله» أليس هذا الذبح يعتبر كفرا؟ بلى.
إذا عرفنا أيضا أنهم يألفون النجاسات، يلطخون أبدانهم وثيابهم بالأوساخ والأقذار والنجاسات ثم يلابسونها.
ولو صلوا بهذه الحال ما قبلت صلاتهم، أليس هذا كفرا؟ وهو التلطخ بالنجاسات والقاذورات والدماء وما أشبه ذلك؟ لا شك أن هذا من الكفر. إذا عرفنا أنهم يدعون الشياطين ويعبدونهم بعد التقرب إليهم، فلا شك أن هذا أيضا كفر وشرك. فإن الساحر يسخر له عدة من الشياطين ومن مردة الجن؛ حتى قد يسخر مائة جني أو ألفا أو أكثر أو أقل؛ بحيث أنه إذا أراد أن يضر أحدا يقول لواحد منهم: تلبس بفلان، أو تلبس بفلانة.
فإذا تلبس ذلك الجني بإنسي، أو بجسد إنسي صعب بعد ذلك تخليه وعلاجه؛ إلا أن يأذن له ذلك الشيطان بالخروج منه. فهذا بلا شك من عمل الكفر؛ يعني كونهم يعبدون الشياطين. عبادة الشياطين هي من عبادة المشركين، قال الله تعالى: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ » فهؤلاء يعبدون الشياطين، ومن عبد الشيطان أو عبد غير الله فإنه مشرك، وكل من عبد غير الله فما عبد سوى الشيطان. فالحاصل أن هذا يدل على أنهم عملوا شركا، وعملوا كفرا، فيحكم بذات كفرهم. والأدلة واضحة، نذكر بعضا منها.
من ذلك قول الله تعالى: [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ] الجبت: فسر بأنه السحر، وَالطَّاغُوتِ: الكاهن. والكاهن أيضا عبد للشياطين، ويعتبروا من السحرة. فذكر الله أنهم يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وهذا ذم لهم أن يصدقون بالسحر ويصدقون بالشيطان ويصدقون بالكهنة، ويطيعونهم، فذمهم بهذا؛ أي بعملهم وبطاعتهم لهؤلاء الشياطين.
وهكذا عبادة الطواغيت، في قول الله تعالى في حكايته عن اليهود ونحوهم أنه يقول: [وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ]؛ أي وجعل منهم من عبد الطاغوت، والطاغوت هو الشيطان. وعبادتهم له طاعتهم له، وتقربهم إليه. فدل ذلك على أن من عبد الطاغوت يعني أطاعه وتقرب إليه فإنه يعتبر كافرا حلال الدم والمال.
ومن الأدلة أيضا: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جعل السحر من الموبقات، في الحديث المشهور قوله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات»
فإن هذا دليل على أنه من السبع الموبقات أي من المهلكات. وما ذاك إلا أن الله تعالى حكم على من يتعاطاه بأنه كافر كما في هذا الآية: [إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ]
وأما حكمهم وما يعاملون به؛ فإنهم يحكم بأنهم كفرة. ولا شك أن الكافر هو الذي كفر بوحدانية الله وكفر بعبادته وكفر بطاعته وكفر بحقوقه على العباد؛ فلذلك يحكم عليه بالقتل إذا تحقق ذلك عنه، ويحكم على من اتبعهم وأطاعهم وقلدهم بأنه أيضا كافر. تكاثرت الأحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على من أتى الكهان بالكفر، قال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من تكهن أو تكهن له، أو تطير أو تطير له، أو سحر أو سحر له. ومن أتى كاهنا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم».
ومعنى قوله:ليس منا؛ أي ليس من المسلمين ليس منا من تكهن ؛ أي من تعاطى الكهانة، وليس منا من سحر؛ أي من عمل السحر، أو أمر بأن يعمل له السحر فليس بمؤمن، وليس من المؤمنين حقا الذين يصدقون بالله وبما جاء عن الله ويعبدونه تعالى حق عبادته.
والكاهن هو الذي يخدم أيضا الشياطين ويطيع الشياطين؛ حتى تنزل عليه الشياطين وتخبره بالأمور المغيبة. ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة خوفا من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله بوحيه بما شاء. ثم يمر جبريل على الملائكة، فيقولون: ماذا قال ربنا؟ فيقول: قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع .
ومسترق السمع هكذا، وصفه سفيان بكفه فحركها ومدد بين أصابعه، فيسمعها فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته؛ حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة؛ يعني أن السحرة والكهنة يعتمدون على أخبار الشياطين التي تسترق السمع، وكذلك مردة الجن؛ وإلا فإن الساحر آدمي لا يعلم الغيب، وكذلك الكاهن لا يعلم الغيب.
فمن الذي أدرى هذا الساحر أو الكاهن بأن السحر الذي عمل في المكان الفلاني؟! ما أخبره إلا شيطان. وكذلك كيف يعرف هذا الساحر أن فلانا سيصيبه مرض بسبب كذا وكذا؟! ما أخبره إلا شيطان. يمكن أن الشيطان اختطف الكلمة من الملائكة التي كانت تتكلم في الغمام، والتي تتكلم بما أخبر الله تعالى من الحوادث التي تحدث في المستقبل، فشيطان ذلك الساحر أو الكاهن سمع هذه الكلمة من وليه من الشياطين قرقرها في أذنه فبعد ذلك أخبر بها.
يقول الله تعالى: [هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ]؛ أي يتلقون ويتلقفون السمع من الملائكة؛ حتى يلقوها على لسان الساحر أو لسان الكاهن، وذلك الساحر أو الكاهن يخبر بها؛ فيظن الناس أنه صادق وأنه يعلم الغيب، وأنه يعرف الأماكن التي فيها كذا وكذا، وما هو إلا يعتمد على أخبار الشياطين التي تسترق السمع. ولا تخبره كما قلنا إلا بعدما يطيعها وبعدما يخدمها وبعدما يتقرب إليها؛ فبذلك يحكم عليه بأنه كافر ومشرك؛ ولذلك يستحق أن يقتل.
ورد في الحديث في قصة عن جندب الخير أنه دخل على بعض الأمراء وعنده ساحر، وذلك الساحر يقطع رأس إنسان وهم ينظرون؛ حتى يبقى رأسه منقطعا لا يتعلق إلا بحنجرته، ثم بعد ذلك يعيد رأسه، والناس ينظرون. وهذا من الشعوذة وذلك لأنه يلبس على أعين الناس، وهذا من عمل الشياطين، معنى أن الشيطان يخيل إلى أعين الحاضرين أنه يعمل هذه الأعمال التي يعجز عن جنسها الإنسان، وتسمى هذه شعبذة أو شعوذة. ومثله أيضا حكايات كثيرة يتوصل بها هؤلاء السحرة ونحوهم إلى فتنة الناس، وإلى إيهامهم أن عندهم قدرة، أن عندهم قوة، وأنهم وأنهم؛ فلذلك لا يتحصن عنهم إلا ذكر الله تعالى والاستعانة به.
وأمثلة هذا العمل كثيرة، فقد ذكر أحد الإخوة أنه كان معه نقود في جيبه، فجاءه أحدهم فألقى يديه على صدره، وقال له: عندك لي نقود وعندك لي دراهم. فقال: ما أعرفك. فخلا أمره، ولما تفقد جيبه وإذا هو قد اختلسها؛ بمعنى أنه غيب عينيه عنه؛ حتى تمكن من أخذ هذه الدراهم واختفى بها، ولا يعرف كيف اختلسها. وهكذا أيضا آخر كان يمشي في السوق، وكان في جيبه أو على جنبه نقود في كيس، أبصره بعضهم، فجاء إليه وألقى عليه ما يغمه، فسقط ذلك الإنسان واتكئ على سيارة واقفة، فاختطفها من جنبه وهو لا يشعر؛ بمعنى أنه عمل معه الشيطان ما أغماه وأوقعه في حيرة.
وكذلك آخر لقي بعضا من هؤلاء المشعوذين ومعه خمسون ريالا ورقة واحدة، فقال: أحب أن تحولها لعشرات فإني بحاجة. أخرج ذلك الإنسان معه ألف ريال من فئة العشرة، وقال: أعطني آخذ منهم. فأخذ منها وهم ينظرون خمس ورقات، ولما ردها إليه وإذا لم يبق منها إلا مائة أو مائة وعشرون أخذها وهم ينظرون، ولم يحسوا بنظره. لا شك أن هذا من عمل هؤلاء المشعوذين. كيف يتوصلون إلى ذلك؟! الشيطان الذي يلابسهم يغمي على أعين الناظرين حولهم، وإذا أغمى عليهم لم يشعروا بما أمامهم من الحقائق؛ فلأجل ذلك ينتبه المسلم ويتحصن عن مثل هؤلاء؛ حتى لا يشعوذوا ويشعبذوا على عينيه بما له حقيقة.
ورد في حديث جندب الذي ذكرنا أنه دخل في اليوم الثاني على ذلك الساحر، ولما قرب منه كان قد اشتمل بالسيف، واستعاذ بالله بمثل قوله: «أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق ومن شر شيطان وهامة ومن شر عين لامة ومن شر مخلوقات الله كلها عامة» فلما قرب من ذلك الساحر شهر سيفه وقتله وقطع رأسه وهم ينظرون، وقال: احم نفسك إن كنت صادقا. فعلم بذلك أن أعمالهم إنما هي شعبذة وتخييل كما حكى الله تعالى عن سحرة فرعون في قوله تعالى: [فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ] فهذا من سحر التخييل؛ أي يخيل إلى الناظر الأشياء التي ليست حقيقية.
يقع أمثلة أيضا مشهورة، يجتمع الناس وينظرون فيتعجبون؛ حتى ذكر بعضهم أن الساحر ونحوه يجر السيارة بأسنانه، يلقي فيها أو يربطها بخيط ثم يجرها بأسنانه بذلك الخيط، أو أنها السيارة مع كبرها يبسط ذراعه وتمر على ذراعه ولا تكسر ذراعه؛ مع نحولة ذلك الذراع. وكذلك أمثلة كثيرة من أعمال هؤلاء.
ورد أيضا قتل الساحر عن جماعة من الصحابة؛ فذكر أن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها كان عندها مملوكة لها، وقد علقت عتقها بالموت؛ إذا مت فأنت حرة.
ثم إن تلك المملوكة عملت لها سحرا تريد أن تموت بسرعة؛ حتى تتحرر، فكان مما أصابها أصاب حفصة شيء من المرض، فعولجت وعرف بذلك أن هذا من أثر هذه الجارية، فقالت: كيف عملت هذه؟! فقالت: أريد أن تموتي حتى أن أعتق. فأمرت بها فقتلت، قتلت تلك الجارية الساحرة بأمر أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها.
في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: «كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. يقول: فقتلنا ثلاث سواحر بأمر عمر رضي الله عنه».
فهؤلاء ثلاثة من الصحابة ثبت عنهم قتل الساحر جندب الذي قتل ذلك الساحر. وحفصة أمرت بقتل تلك الساحرة. وعمر أمر بقتل كل ساحر وساحرة. ولا شك أن قتلهم؛ لأنهم مفسدون في الأرض. فنقول: إذا عرفت أن فلانا ساحر أو فلانة، واشتهر عنه أن الناس يأتونه لعمل السحر فلا تكتموا عليه؛ بل عليكم أن تدلوا عليه؛ حتى يقام عليه الحد الذي ذكر في هذا الأثر، حد الساحر ضربه بالسيف، أو ضربة... لو أصر على هذا العمل الشيطاني
قاله
عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين
رحمه الله
الأحد يونيو 16, 2013 7:21 pm من طرف سلوى
» إيقاف العادات السيئة يبدأ من الدماغ
الأحد يونيو 16, 2013 7:13 pm من طرف سلوى
» دراستان تنصحان بالتعامل المبكر مع مشكلة زيادة الوزن لدى الاطفال
الإثنين نوفمبر 05, 2012 2:00 am من طرف مريم
» انتبه لغذائك بعد سن الأربعين
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:58 am من طرف مريم
» الكشف عن طريقة لإيقاف تدهور العضلات مع تقدم العمر
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:50 am من طرف مريم
» الوزن الزائد والسمنة يرتبطان بسوء أورام البروستات
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:11 am من طرف مريم
» الاختلاء بامرأة غريبة.. يصيب الرجل بأمراض خطيرة!
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:03 am من طرف مريم
» زيت الزيتون يعزّز صحة خلايا البشرة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 12:16 am من طرف مريم
» مستحضرات التجميل.. تتسبب بسن اليأس المبكر
الإثنين نوفمبر 05, 2012 12:08 am من طرف مريم