يا نفس محاسبة النفس...
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
نفسي التي تملك الاشياء ذاهبة***** فكيف تبكي على شيء اذا ذهبا!!
يا نفس، يا نفس؛ الله الله في عمرك لا تضيعيه فهو رأس مالك في أخراك، فأحزمي أمرك لكي لا تخسري عمرك في التجارة البائرة فتخسري الدنيا والاخرة.
يا نفس يا نفس، وهذا يوم جديد، وهو عليك شهيد، فاياك إياك من اضاعته؛ اعملي لله فيه بطاعته فإن كل نفس من الانفاس وحاسة من الحواس جوهرة عظيمة، لا تُقدر بقيمة أما علمت أن:
أولى الذخائر بالحماية والرعاية والحراسة
عمر الفتى فهو النهاية في الجلالة والنفاسة
فحذار من تضييعه ان كنت من اهل الكياسة
يا نفس يا نفس؛ اعلمي اني ما دعاني الى مخاطبتك وما هداني الى محاسبتك الاصدق الرغبة في صلاحك، وجميل الحرص على نجاتك وفلاحك.
يا نفس يا نفس؛ الا تحبي ان تكوني مع الصادقين؛ مع النبي وآله الطيبين؟ اذن فأصغي لوصية كاظمهم العليم حيث قال: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسناً استزاد الله وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب اليه.
يا نفس يا نفس؛ فكوني من محمد وآله وأسلمي معهم لرب العالمين، عن السيئات تتورعين وبالصالحات تعملين، وبذلك تدخلين في عباد الله الصالحين، مطمئنة بصفوته مدعوة الى جنته وهو ارحم الراحمين.
يا نفس يا نفس، اعلمي ان النهار والليلة اربع وعشرون ساعة فأشتغلي فيها بالطاعة، مراقبة حضور العليم الخبير، مستورة بالحياء من معصية المنعم القدير... متحصنة بالتقوى من غضب القهار متوسلة اليه بمحبة المختار ومودة آله الاطهار.
يا نفس يا نفس، اديمي الفكرة واستمطري العبرة بما ورد في الخبر عن حبيبنا سيد البشر، يوم تحدث عن مشاهد القيامة فأخبر أنه يُنشر للعبد عن كل يوم من عمره اربع وعشرون خزانة بعضها مليئة منيرة وبعضها فارغة مظلمة وبعضها مليئة مرعبة.
إذا فُتحت خزانة الحسنات نال صاحبها من السرور والبهجة والحبور ما لو وُزع على اهل النار لأنساهم الشقاء وعذاب دار البوار، يا نفس فكيف تغفلين عن مثل هذه الانوار؟
وإن فُتحت خزانة العصيان والغيبة والبهتان غشي صاحبها من نتنها وظلامها وشرها وآلامها ما لو قسم على اهل الجنة والنعيم لنغّص عليهم السعادة والتنعيم... يا نفس فكيف لا تخشين مثل هذا البوار؟
وإن فتحت الفارغة من الاعمال المظلمة بالتكاسل والاهمال، لحق صاحبها الحزن العظيم على خلوها من موجبات الثواب المقيم، وإشتملت عليه حسرات النفس اللوامة يوم لا ينفع ندم ولا ندامة.
يا نفس يا نفس، فإن شئت النجاة من الحسرة والملامة، وإن رغبت في منازل دوام السعادة والكرامة، فأعينيني على محاسبتك اليوم قبل يوم القيامة؛ أما سمعت صادق الصادقين جعفر بن محمد عليه السلام حيث أوصانا قائلاً: إذا آويت الى فراشك فانظر ما سلكت في بطنك وما كسبت في يومك، وأذكر انك ميت وأن لك معاداً.
يا نفس يا نفس؛ الله الله في جوارحك وقواك، فهي نعم الله عليك وودائعه لديك؛ إن إنتفعتي بها فيما يرضيه جل جلاله فقد شكرت النعمة وحفظت الامانة؛ وسيزيد الله عليك نعمه والله يحب الشاكرين.
وإن سخرتيها فيما لا يرضيه تبارك وتعالى وأتلفتيها في معاصيه فقد جحدت النعمة وخنتي الامانة وصارت عليك وبالاً وحسرة واللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ.
يا نفس يا نفس؛ ليكن شعارك ومنهاجك ودعاؤك في كل صباح ومساء دعاء مولاي ومولاك زين العابدين عليه أفضل سلام المسلمين حيث قال:
وهذا يوم حادث جديد وهو علينا شاهد عتيد إن أحسنا ودعناه بحمدٍ وان أسأنا فارقناه بذم.
اللهم صلِّ على محمد وآله وارزقنا حسن مصاحبته واعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريرة او اقتراف صغيرة او كبيرة وأجزل لنا فيه من الحسنات وأخلنا فيه من السيئات وأملا لنا ما بين طرفيه حمداً وشكراً وأجراً وذخرً وفضلاً وإحساناً.
يا نفس،يا نفس؛ وانظري بعين البصيرة الى وصية مولاي ومولاك أمير المؤمنين وهو باب مدينة علم النبي الامين عليهما وآلهما أفضل صلوات المصلين: حيث قال: ما من يوم يمر على ابن آدم الا قال له ذلك اليوم: يا ابن آدم انا يوم جديد وأنا عليك شهيد، فقل في خيراً واعمل في خيراً أشهد لك به يوم القيامة فانك لن تراني بعده أبداً.
يا نفس، فليكن وداعك لكل يوم بصحيفة أعمال حروفها من نور والله عزوجل هو الغفور الشكور.
يا نفس يا نفس؛ الله الله في دارك الابدية وحياتك السرمدية فإنها دار القرار، فلا تغفلي عن اعمارها بصالحات الاعمال وحذار حذار من تخريبها بسيئآت الفعال؛ كوني من اهل الآخرة ولا تكوني من عبدة الدنيا.
أما سمعت عتاب امير المؤمنين لعبدتها عندما دخل سوق البصرة فرآهم غافلين عن أخراهم يجمعون لغيرهم ويحرمون انفسهم، لا يتورعون عن الحرام والشبهات فقال لهم: يا عبيد الدنيا وعمال اهلها، اذا كنتم بالنهار تحلفون وبالليل تنامون وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون فمتى تجهزون الزاد وتفكرون في المعاد.
يا نفس، يا نفس؛ حذار حذار من ان تميلي الى الكسل وطول الامل فهما آفتان للعمر يضيعان وللمبتلى بهما يستغفلان، فانفضي غبار الغفلة والكسل واستجيبي لدعوة الداعي الى خير العمل مولى الموحدين الامام علي وقولي (رحمك الله) لبيك يا مولاي حيث قلت: تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل.
يا نفس يا نفس؛ فشدي احزمة الهمة لبلوغ مقامات الاخيار والتحلي بمكارم الابرار وحذار من الاغترار لا تغتري بعفو الملك الجبار فتغفلي عن تحصيل الزاد، هبي أنه قد عفى يوم المعاد عن جريرتك وستر على سريرتك اليس قد فاتك ثواب المحسنين ودرجات الابرار في عليين؟!
واصغ بأذن واعية لبيان امام الرحمة المخاطب بالقرآن (صلى الله عليه وآله) حيث عرفنا عاقبة اهل الدنيا فقال: من اصبح والدنيا اكبر همه فليس من الله في شيء، والزم الله قلبه اربع خصال: هماً لا ينقطع عنه ابداً، وشغلاً لا يتفرغ منه ابداً وفقراً لا ينال غناه ابدا وأملاً لا يبلغ منتهاه ابداً.
يا نفس يا نفس؛ اسمعي مني عتاب ناصح رفيق ولائم شفيق؛ وأجيبيني؛ كيف تنكرين احسان ربك الرؤوف فتعصيه؛ اليس هذا العصيان من قلة الحياء وندرة الوفاء؟
ان كنت قد عصيت امر ربك الرحيم وانت تعلمين باطلاعه فلقد كفرت بمولاك.
اما سمعت وصية امام الرحمة وقائد الخير والبركة صلوات الله عليه واله حيث قال: اعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه لايراك.
يا نفس فاين الحياء ممن لاتخفى عليه خافية في الارض ولا في السماء؟!
وأين الوفاء لمن انعم عليك بكل هذه النعماء والالاء؟!
يا نفس يا نفس، اترين لو واجهك احدا من جلسائك ممن تقدرين عليه بعمل تمقتيه، او عاملك بتصرف تكرهيه الست كنت تصبين نيران غضبك عليه؟! فباي جراة تتعرضين لمقت الله وعذابه بارتكاب نواهيه؟! وباي قوة تذهبين الى محال شدة عقابه بفعل ما لايرضيه؟!
ابك طاقة على تحمل عذابه الاليم وهو الجبار العظيم؟! ام بك قدرة على تجرع الضريع والزقوم والحميم؟
يا نفس يا نفس؛ اما سمعت بحكاية ابن البصمة؟! كان الرجل محاسباً لنفسه في اكثر اوقاته، فحسب يوماً ما مضى من عمره فاذا هو ستون عاماً، فحسب ايامها فكانت احدى وعشرين الف يوم وخمسمائة يوم، فحسب انه لو كان قد اذنب في كل يوم ذنباً واحداً من غيبة او بهتان او عثرة لسان او سكوت عن حق او نظرة حرام فقال: يا ويلتي أألقى مالكاً خازن النيران بأحدى وعشرين ألفاً وخمسمائة ذنب! ثم صعق صعقة كانت فيها نفسه!
فيا نفس، توبي الى الله توبة نصوحاً فهو التواب الرحيم.
يا نفس يا نفس، أترضين ان تكوني ممن إدعى الايمان بلسانه وظهرت آثار النفاق على جوارحه وأركانه؟
يا نفس يا نفس،هلا بحثت عما فيك من علامات من يتبع الكتاب والسنة ويبتغي الخلود في الجنة. ويحك قد أمنت من العذاب أمن من كأنه لا يؤمن بيوم الحساب.
لقد تكفل الله بشريعته باصلاح أحوالك لكنك تخالفين أرادته باتباع اهوائك، غافلة عن مواقف وأهوال يوم عظيم كان مقداره خمسين الف سنة مما تعدون.
يا نفس يا نفس، ان كنت لا تخشين يوم الحساب، فاسمعي الحكاية التالية ففي عبرة لأولي الالباب.
رووا ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان مستظلاً بظل شجرة في يوم شديد الحر، فجاء رجل فنزع رداءه ثم جعل يتمرغ في الرمضاء ويكوي بحرارتها ظهره مرة وبطنه مرة وجبهته مرة وهو يقول: يا نفس ذوقي فما عند الله اعظم مما صنعت بك.
ثم ان الرجل لبس ثيابه فأومأ النبي (صلى الله عليه وآله) اليه ودعاه وقال: يا عبد الله، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما رأيت احداً من الناس صنعه، فما حملك على ما صنعت؟
فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله فقلت لنفسي: يا نفس ذوقي فما عند الله اعظم مما صنعت بك.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لقد خفت ربك حق مخافتك وإن ربك ليباهي بك اهل السماء
ثم قال (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: يا معشر من حضر إدنوا من صاحبكم يدعو لكم، فدنوا منه فقال: اللهم إجمع امرنا على الهدى واجعل التقوى زادنا والجنة مآبنا....
يا نفس يا نفس، إتقي الله وإنظري ماذا قدمت لغد ٍ هو آت آت.
يا نفس يا نفس، مالي اراك قد اعرضت عن العمل للآخرة والاستعداد ليوم الحساب إعراض من أمن من العتاب والعقاب والعذاب؟
يا نفس مالي اراك قد أنشغلت بالعمل لدنياك إنشغال من لا يؤمن بيوم الفصل والحشر ولا يعتقد بالقيامة والبعث والنشر؟
أتظنين انك إذا مت تركت؟ واذا حشرت رُددت؟
هيهات هيهات إن كل ما توعدون لآت ولات حين مناص:
ولو أنا إذا متنا تُركنا
لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بُعثنا
ونسئل بعده عن كل شيء
يا نفس يا نفس، ترى ماذا كنت تفعلين لو لن طبيباً يهودياً او حكيماً نصرانياً أخبرك في أن الذي اطعمتك داء ليس له دواء؟ لو كان ذلك لصبرت عن اكل الطعام اللذيذ وتجلت حذراً مما تحتملين فيه، ويحك فهل أن قول القرآن المبين ومواعظ الانبياء والاوصياء والمرسلين أقل تأثيراً فيك من قول يهودي يخبر عن تخمين او نصراني ينبيء عن غير يقين؟
يا نفس وأعجب من ذا في حالك فعلك لو أخبرك عابث أو صبي بأن عقرباً في ثيابك أو حية في دارك، لو كان مثل ذلك، لرميت بكل أطمارك ولهربت من دارك، ويحك فهل ان قول الاطفال والعابثين أشد تأثيراً فيك من قول الصادقين من الاوصياء والمرساين؟ أم أنك تظنين أن عذاب جهنم وزقزمها دون أذى العقرب وسمومها؟
يا نفس، بالله عليك، إخلعي لباس الغفلة وطول الامل وبادري للتوبة وصالح العمل، وتزيني بلباس الورع والتقوى واعملي لدارك الآخرى فالدنيا مزرعة لدار الخلود. إعرفي قدرك وخذي حذرك وتزودي ليوم المعاد بالتقوى فهي خير الزاد.
يا نفس يا نفس، فديتك لا تحسبي أنك متروكة سدى، فقد خلقك ربك للصلاح والهدى، أما وعيت قوله تعالى: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ».
ان ربك كريم فاعملي للوفود عليه بخير الزاد، وإستعدي ليوم المعاد، وليكن شغلك الشاغل العمل لما خلقت له والتورع عما ليس فيه طائل.
يا نفس يا نفس، فديتك لا تغفلي عن الموت غفلة من شك في حلول الاجل، إفتحي قلبك لقول لقمان وهو يعظ ابنه قائلاً: يا بني ان تك في شك من الموت فأرفع عن نفسك النوم ولن تستطيع، وإن كنت في شك من البعث فأرفع عن نفسك الانتباه [من النوم] ولن تستطيع، فانك اذا فكرت في هذا علمت أن نفسك بيد غيرك وإنما النوم بمنزلة الموت وانما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت.
يا نفس يا حبيبتي فلتكن لك قبل النوم كل ليلة توبة واستغفار، وليكن لك عند اليقظة كل فجر عزم على الطاعة وقرار.
يا نفس يا نفس، فديتك لا تغفلي عن ذكر الله فتفتحي للشيطان سبيلاً اليك وتسلطيه عليك فينسيك ذكر الله بالكامل ويجعلك من جند الزيغ والباطل وذلك هو الخسران الشامل، لا تكوني من الذين قال الله في حقهم: «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ».
يا نفس فاذكري الله كل حين لتكوني من حزبه وحِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
يا نفس يا نفس، ما بالك تسوفين في العمل، وانت لا تعلمين متى يحين الاجل، لعله قد دنا فيخطتفك من غير مهل، فاتركي فديتك طول الامل واستعيني بالله على المبادرة الى صالح العمل. اعملي بأخراك عمل من ايقن ان ايوم آخر عمره ومنتهى دهره، وغالب الشهوة الحرام قبل ضراوتها، فاذا إستقوت لم يقدر على منعها صاحبها، فالشهوة كالشجرة النابتة التي تزيدها طول المدة قوة وثباتاً وتزيد أسيرها ضعفاً وشتاتاً.
يا نفس يا نفس، لقد فتح ربك الرؤوف الرحيم باب التوبة والعودة الى صراطه المستقيم ونهجه القويم، فلاتغفلي عن طرق هذا الباب وأكثري م الاستغفار فالله يحب التوابين، كوني من الذين مدحهم الله جل جلاله فقال: «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ» (آل عمران، 135ـ136).
فسارعي يا نفس ـ عند كل خطيئة ـ الى مغفرة الغفور الرحيم بالتوبة والاستغفار، وحذار حذار من الاصرار فالاصرار على الذنوب موت القلوب.
يا نفس يا نفس، وحذار من اليأس من مغفرة الرب المجيب؛ فاليأس من رحمة الله اعظم الذنوب وأشد حبائل الشيطان؛ لا تنسي الاستغفار فهو من ذكر الله القهار، تأملي فيما قاله مولانا الصادق عليه السلام عن آية الاستغفار حيث قال: لما نزلت هذه الآية صرخ ابليس بأعلى صوته بعفاريته فأجتمعوا اليه، قال: نزلت هذه الآية فمن لها [يعني من يحرم الخلق من دخول باب الاستغفار الذي فتحه الله لهم فيها].
فقال الوسواس الخناس: أنا لها، أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فاذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار، فقال ابليس: أنت لها فوكله بها الى يوم القيامة.
فاستعيذي يا نفس بربك إِلَهِ النَّاسِ، مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ والهجي بالاستغفار.
يا نفس يا نفس، مالي اراك شديدة الحرص على الدرهم والدينار، خائفة من الفقر والاقتار؟ اليس الرزق مضمون قد ضمنه لعباده الرزاق ذو القوة المتين، فلماذا تحرصين؟ اجملي رحمك الله في طلب الرزق الحلال دون حرص ولا كسل ولا اخلال؛ فالكد على العيال عبادة اذا خلت من الحرص ذي الوبال؛ والا فالكد مع الحرص عبادة للدنيا وليس لله المتعال.
يا نفس، انفاسك معدودة واوقاتك محدودة، فاذا ذهب منك نفس فقد ذهب بعضك، فاغتنمي صحتك قبل سقمك وشبابك قبل هرمك واصغي لموعظة مولاي و مولاك امير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: جمع الخير في ثلاث خصال، النظر والسكوت والكلام، فكل نظر ليس فيه سهو، وكل سكوت ليس فيه فكر فهو غفلة وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبره، وسكوته فكراً وكلامه ذكراً.
يا نفس يا نفس، فديتك لا تضيعي اوقاتك، ولا تاسي على ما فاتك من الدنيا ولا تفرحي بما اتاك منها، واعلمي ان: اذا ابقت الدنيا على المرء دينه فما فاته منها فليس بضائر يا نفس وانظري الى الذين مضوا من اهل الدنيا، كيف بنو وعملوا ثم ذهبوا وخلوا لغيرهم الديار وحملوا معهم الاوزار.
ثم انظري الى حال اهل الدنيا، كيف يجمعون ملا ياكلون منه ويبنون ما لا يسكنون فيه وياملون ما يدركون، فهل تجدين اشد حمقا ممن يعمردنياه وهو مرتحل عنها يقينا ويخرب اخرته وهو صائر اليها قطعا رهينا؟!
فاي حسرة او اسى تستحقه دار خلقت للفناء لا للبقاء؟!
يا نفس يا نفس، أنت نفسي وأنا لك محب، لا ارجو لك الا الصلاح والفلاح، فإقبلي مني عتاب الودود الشفيق والناصح الرفيق، ولا تجعلي للشيطان والهوى سبيلاً اليك، فهما والله عدواك اللدودين يريدان ان يسلباك ديناك والدين، تأبط كل منهما شراً فلا يبغيان لك خيراً فأستعيذي يا حبيبتي منهما بربك الكريم فهو الغفور الرحيم وبحبائلهما عليهم وعلى دفع شرورها قادر قدير.
يا نفس يا نفس، لا شك انك تصدقين بيوم الحساب والوقوف بين يدي رب الارباب، ولكن لدي -يا عزيزتي - عتاب: اذا أراك تصدقين بكل ذلك باللسان وتكذبين بالجوارح والاعمال، والا كيف تتجرأين على العصيان وتتكاسلين عن طاعة الرحمان؟
الا يا نفس لا تعصي
وقد صدقت بالنص
الا يا نفس ما عذري
إذا هم غيبوا شخصي
الا يا نفس هل عزم
لأسعى سعي مختص
وأجهد في رضى ربي
وأستبري وأستقضي
وأخشى فتنة الدنيا
كما أخشى من اللص
وأنسى منزلاً رحباً
حذار قصاص مقتص
عدوي أنت يا نفسي
فكم سعي وكم حرص
ذنوبي في زيادات
وعمري لجّ في نقص
أنا في غمرتي ساه
وأعمالي لها مُحصي
يا نفس يا نفس، فديتك لا تكوني لي عدواً يجرني بالذنوب الى الفضيحة والخزي والسقوط في أسفل سافلين، بل كوني - فديتك- عوناً يرافقني بالانقياد الى الطاعات في سفر العروج الى عليين.
يا نفس يا نفس، ما تقولين في مريض قد غمرته الاسقام والالام، وحرمته الرقاد والمنام، فأشار عليه الاطباء بترك الماء البارد ثلاثة ايام ليصح حاله ويتهنأ بشربه بعدها مدى الاعوام.
أفلا يحكم العقل بان يصبر عن بارد الماء هذه الايام القليلة لكي يهنأ بعدها بشربه سنين طويلة؟
يا نفس صبراً على ما كان من ضرر
فرب منفعة يأتي بها الضرر
قد كنت احذر ما القاه من نكد ٍ
لو كان ينفعني في مثله الحذر
يا نفس يا نفس، ليت شعري، هل ان الم الصبر عن الشهوات وكظم الغيظ عن محرم العقوبات أعظم شدة واطول مدة؛ أم آلام عذاب النار التي سجرها للعاصين جبار السموات؟
فما بالي أراك تحتمين من الحر والبرد في الصيف والشتاء ولا تحتمين بترك المعاصي من عذاب النار وغضب القهار؟!
يا نفس؛ ان من لا يطيق الصبر في الدنيا على قضاء الوطر كيف يصبر في الآخرة على حرّ سقر؟
أسألكم الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
نفسي التي تملك الاشياء ذاهبة***** فكيف تبكي على شيء اذا ذهبا!!
يا نفس، يا نفس؛ الله الله في عمرك لا تضيعيه فهو رأس مالك في أخراك، فأحزمي أمرك لكي لا تخسري عمرك في التجارة البائرة فتخسري الدنيا والاخرة.
يا نفس يا نفس، وهذا يوم جديد، وهو عليك شهيد، فاياك إياك من اضاعته؛ اعملي لله فيه بطاعته فإن كل نفس من الانفاس وحاسة من الحواس جوهرة عظيمة، لا تُقدر بقيمة أما علمت أن:
أولى الذخائر بالحماية والرعاية والحراسة
عمر الفتى فهو النهاية في الجلالة والنفاسة
فحذار من تضييعه ان كنت من اهل الكياسة
يا نفس يا نفس؛ اعلمي اني ما دعاني الى مخاطبتك وما هداني الى محاسبتك الاصدق الرغبة في صلاحك، وجميل الحرص على نجاتك وفلاحك.
يا نفس يا نفس؛ الا تحبي ان تكوني مع الصادقين؛ مع النبي وآله الطيبين؟ اذن فأصغي لوصية كاظمهم العليم حيث قال: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسناً استزاد الله وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب اليه.
يا نفس يا نفس؛ فكوني من محمد وآله وأسلمي معهم لرب العالمين، عن السيئات تتورعين وبالصالحات تعملين، وبذلك تدخلين في عباد الله الصالحين، مطمئنة بصفوته مدعوة الى جنته وهو ارحم الراحمين.
يا نفس يا نفس، اعلمي ان النهار والليلة اربع وعشرون ساعة فأشتغلي فيها بالطاعة، مراقبة حضور العليم الخبير، مستورة بالحياء من معصية المنعم القدير... متحصنة بالتقوى من غضب القهار متوسلة اليه بمحبة المختار ومودة آله الاطهار.
يا نفس يا نفس، اديمي الفكرة واستمطري العبرة بما ورد في الخبر عن حبيبنا سيد البشر، يوم تحدث عن مشاهد القيامة فأخبر أنه يُنشر للعبد عن كل يوم من عمره اربع وعشرون خزانة بعضها مليئة منيرة وبعضها فارغة مظلمة وبعضها مليئة مرعبة.
إذا فُتحت خزانة الحسنات نال صاحبها من السرور والبهجة والحبور ما لو وُزع على اهل النار لأنساهم الشقاء وعذاب دار البوار، يا نفس فكيف تغفلين عن مثل هذه الانوار؟
وإن فُتحت خزانة العصيان والغيبة والبهتان غشي صاحبها من نتنها وظلامها وشرها وآلامها ما لو قسم على اهل الجنة والنعيم لنغّص عليهم السعادة والتنعيم... يا نفس فكيف لا تخشين مثل هذا البوار؟
وإن فتحت الفارغة من الاعمال المظلمة بالتكاسل والاهمال، لحق صاحبها الحزن العظيم على خلوها من موجبات الثواب المقيم، وإشتملت عليه حسرات النفس اللوامة يوم لا ينفع ندم ولا ندامة.
يا نفس يا نفس، فإن شئت النجاة من الحسرة والملامة، وإن رغبت في منازل دوام السعادة والكرامة، فأعينيني على محاسبتك اليوم قبل يوم القيامة؛ أما سمعت صادق الصادقين جعفر بن محمد عليه السلام حيث أوصانا قائلاً: إذا آويت الى فراشك فانظر ما سلكت في بطنك وما كسبت في يومك، وأذكر انك ميت وأن لك معاداً.
يا نفس يا نفس؛ الله الله في جوارحك وقواك، فهي نعم الله عليك وودائعه لديك؛ إن إنتفعتي بها فيما يرضيه جل جلاله فقد شكرت النعمة وحفظت الامانة؛ وسيزيد الله عليك نعمه والله يحب الشاكرين.
وإن سخرتيها فيما لا يرضيه تبارك وتعالى وأتلفتيها في معاصيه فقد جحدت النعمة وخنتي الامانة وصارت عليك وبالاً وحسرة واللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ.
يا نفس يا نفس؛ ليكن شعارك ومنهاجك ودعاؤك في كل صباح ومساء دعاء مولاي ومولاك زين العابدين عليه أفضل سلام المسلمين حيث قال:
وهذا يوم حادث جديد وهو علينا شاهد عتيد إن أحسنا ودعناه بحمدٍ وان أسأنا فارقناه بذم.
اللهم صلِّ على محمد وآله وارزقنا حسن مصاحبته واعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريرة او اقتراف صغيرة او كبيرة وأجزل لنا فيه من الحسنات وأخلنا فيه من السيئات وأملا لنا ما بين طرفيه حمداً وشكراً وأجراً وذخرً وفضلاً وإحساناً.
يا نفس،يا نفس؛ وانظري بعين البصيرة الى وصية مولاي ومولاك أمير المؤمنين وهو باب مدينة علم النبي الامين عليهما وآلهما أفضل صلوات المصلين: حيث قال: ما من يوم يمر على ابن آدم الا قال له ذلك اليوم: يا ابن آدم انا يوم جديد وأنا عليك شهيد، فقل في خيراً واعمل في خيراً أشهد لك به يوم القيامة فانك لن تراني بعده أبداً.
يا نفس، فليكن وداعك لكل يوم بصحيفة أعمال حروفها من نور والله عزوجل هو الغفور الشكور.
يا نفس يا نفس؛ الله الله في دارك الابدية وحياتك السرمدية فإنها دار القرار، فلا تغفلي عن اعمارها بصالحات الاعمال وحذار حذار من تخريبها بسيئآت الفعال؛ كوني من اهل الآخرة ولا تكوني من عبدة الدنيا.
أما سمعت عتاب امير المؤمنين لعبدتها عندما دخل سوق البصرة فرآهم غافلين عن أخراهم يجمعون لغيرهم ويحرمون انفسهم، لا يتورعون عن الحرام والشبهات فقال لهم: يا عبيد الدنيا وعمال اهلها، اذا كنتم بالنهار تحلفون وبالليل تنامون وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون فمتى تجهزون الزاد وتفكرون في المعاد.
يا نفس، يا نفس؛ حذار حذار من ان تميلي الى الكسل وطول الامل فهما آفتان للعمر يضيعان وللمبتلى بهما يستغفلان، فانفضي غبار الغفلة والكسل واستجيبي لدعوة الداعي الى خير العمل مولى الموحدين الامام علي وقولي (رحمك الله) لبيك يا مولاي حيث قلت: تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل.
يا نفس يا نفس؛ فشدي احزمة الهمة لبلوغ مقامات الاخيار والتحلي بمكارم الابرار وحذار من الاغترار لا تغتري بعفو الملك الجبار فتغفلي عن تحصيل الزاد، هبي أنه قد عفى يوم المعاد عن جريرتك وستر على سريرتك اليس قد فاتك ثواب المحسنين ودرجات الابرار في عليين؟!
واصغ بأذن واعية لبيان امام الرحمة المخاطب بالقرآن (صلى الله عليه وآله) حيث عرفنا عاقبة اهل الدنيا فقال: من اصبح والدنيا اكبر همه فليس من الله في شيء، والزم الله قلبه اربع خصال: هماً لا ينقطع عنه ابداً، وشغلاً لا يتفرغ منه ابداً وفقراً لا ينال غناه ابدا وأملاً لا يبلغ منتهاه ابداً.
يا نفس يا نفس؛ اسمعي مني عتاب ناصح رفيق ولائم شفيق؛ وأجيبيني؛ كيف تنكرين احسان ربك الرؤوف فتعصيه؛ اليس هذا العصيان من قلة الحياء وندرة الوفاء؟
ان كنت قد عصيت امر ربك الرحيم وانت تعلمين باطلاعه فلقد كفرت بمولاك.
اما سمعت وصية امام الرحمة وقائد الخير والبركة صلوات الله عليه واله حيث قال: اعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه لايراك.
يا نفس فاين الحياء ممن لاتخفى عليه خافية في الارض ولا في السماء؟!
وأين الوفاء لمن انعم عليك بكل هذه النعماء والالاء؟!
يا نفس يا نفس، اترين لو واجهك احدا من جلسائك ممن تقدرين عليه بعمل تمقتيه، او عاملك بتصرف تكرهيه الست كنت تصبين نيران غضبك عليه؟! فباي جراة تتعرضين لمقت الله وعذابه بارتكاب نواهيه؟! وباي قوة تذهبين الى محال شدة عقابه بفعل ما لايرضيه؟!
ابك طاقة على تحمل عذابه الاليم وهو الجبار العظيم؟! ام بك قدرة على تجرع الضريع والزقوم والحميم؟
يا نفس يا نفس؛ اما سمعت بحكاية ابن البصمة؟! كان الرجل محاسباً لنفسه في اكثر اوقاته، فحسب يوماً ما مضى من عمره فاذا هو ستون عاماً، فحسب ايامها فكانت احدى وعشرين الف يوم وخمسمائة يوم، فحسب انه لو كان قد اذنب في كل يوم ذنباً واحداً من غيبة او بهتان او عثرة لسان او سكوت عن حق او نظرة حرام فقال: يا ويلتي أألقى مالكاً خازن النيران بأحدى وعشرين ألفاً وخمسمائة ذنب! ثم صعق صعقة كانت فيها نفسه!
فيا نفس، توبي الى الله توبة نصوحاً فهو التواب الرحيم.
يا نفس يا نفس، أترضين ان تكوني ممن إدعى الايمان بلسانه وظهرت آثار النفاق على جوارحه وأركانه؟
يا نفس يا نفس،هلا بحثت عما فيك من علامات من يتبع الكتاب والسنة ويبتغي الخلود في الجنة. ويحك قد أمنت من العذاب أمن من كأنه لا يؤمن بيوم الحساب.
لقد تكفل الله بشريعته باصلاح أحوالك لكنك تخالفين أرادته باتباع اهوائك، غافلة عن مواقف وأهوال يوم عظيم كان مقداره خمسين الف سنة مما تعدون.
يا نفس يا نفس، ان كنت لا تخشين يوم الحساب، فاسمعي الحكاية التالية ففي عبرة لأولي الالباب.
رووا ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان مستظلاً بظل شجرة في يوم شديد الحر، فجاء رجل فنزع رداءه ثم جعل يتمرغ في الرمضاء ويكوي بحرارتها ظهره مرة وبطنه مرة وجبهته مرة وهو يقول: يا نفس ذوقي فما عند الله اعظم مما صنعت بك.
ثم ان الرجل لبس ثيابه فأومأ النبي (صلى الله عليه وآله) اليه ودعاه وقال: يا عبد الله، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما رأيت احداً من الناس صنعه، فما حملك على ما صنعت؟
فقال الرجل: حملني على ذلك مخافة الله فقلت لنفسي: يا نفس ذوقي فما عند الله اعظم مما صنعت بك.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لقد خفت ربك حق مخافتك وإن ربك ليباهي بك اهل السماء
ثم قال (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: يا معشر من حضر إدنوا من صاحبكم يدعو لكم، فدنوا منه فقال: اللهم إجمع امرنا على الهدى واجعل التقوى زادنا والجنة مآبنا....
يا نفس يا نفس، إتقي الله وإنظري ماذا قدمت لغد ٍ هو آت آت.
يا نفس يا نفس، مالي اراك قد اعرضت عن العمل للآخرة والاستعداد ليوم الحساب إعراض من أمن من العتاب والعقاب والعذاب؟
يا نفس مالي اراك قد أنشغلت بالعمل لدنياك إنشغال من لا يؤمن بيوم الفصل والحشر ولا يعتقد بالقيامة والبعث والنشر؟
أتظنين انك إذا مت تركت؟ واذا حشرت رُددت؟
هيهات هيهات إن كل ما توعدون لآت ولات حين مناص:
ولو أنا إذا متنا تُركنا
لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بُعثنا
ونسئل بعده عن كل شيء
يا نفس يا نفس، ترى ماذا كنت تفعلين لو لن طبيباً يهودياً او حكيماً نصرانياً أخبرك في أن الذي اطعمتك داء ليس له دواء؟ لو كان ذلك لصبرت عن اكل الطعام اللذيذ وتجلت حذراً مما تحتملين فيه، ويحك فهل أن قول القرآن المبين ومواعظ الانبياء والاوصياء والمرسلين أقل تأثيراً فيك من قول يهودي يخبر عن تخمين او نصراني ينبيء عن غير يقين؟
يا نفس وأعجب من ذا في حالك فعلك لو أخبرك عابث أو صبي بأن عقرباً في ثيابك أو حية في دارك، لو كان مثل ذلك، لرميت بكل أطمارك ولهربت من دارك، ويحك فهل ان قول الاطفال والعابثين أشد تأثيراً فيك من قول الصادقين من الاوصياء والمرساين؟ أم أنك تظنين أن عذاب جهنم وزقزمها دون أذى العقرب وسمومها؟
يا نفس، بالله عليك، إخلعي لباس الغفلة وطول الامل وبادري للتوبة وصالح العمل، وتزيني بلباس الورع والتقوى واعملي لدارك الآخرى فالدنيا مزرعة لدار الخلود. إعرفي قدرك وخذي حذرك وتزودي ليوم المعاد بالتقوى فهي خير الزاد.
يا نفس يا نفس، فديتك لا تحسبي أنك متروكة سدى، فقد خلقك ربك للصلاح والهدى، أما وعيت قوله تعالى: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ».
ان ربك كريم فاعملي للوفود عليه بخير الزاد، وإستعدي ليوم المعاد، وليكن شغلك الشاغل العمل لما خلقت له والتورع عما ليس فيه طائل.
يا نفس يا نفس، فديتك لا تغفلي عن الموت غفلة من شك في حلول الاجل، إفتحي قلبك لقول لقمان وهو يعظ ابنه قائلاً: يا بني ان تك في شك من الموت فأرفع عن نفسك النوم ولن تستطيع، وإن كنت في شك من البعث فأرفع عن نفسك الانتباه [من النوم] ولن تستطيع، فانك اذا فكرت في هذا علمت أن نفسك بيد غيرك وإنما النوم بمنزلة الموت وانما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت.
يا نفس يا حبيبتي فلتكن لك قبل النوم كل ليلة توبة واستغفار، وليكن لك عند اليقظة كل فجر عزم على الطاعة وقرار.
يا نفس يا نفس، فديتك لا تغفلي عن ذكر الله فتفتحي للشيطان سبيلاً اليك وتسلطيه عليك فينسيك ذكر الله بالكامل ويجعلك من جند الزيغ والباطل وذلك هو الخسران الشامل، لا تكوني من الذين قال الله في حقهم: «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ».
يا نفس فاذكري الله كل حين لتكوني من حزبه وحِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
يا نفس يا نفس، ما بالك تسوفين في العمل، وانت لا تعلمين متى يحين الاجل، لعله قد دنا فيخطتفك من غير مهل، فاتركي فديتك طول الامل واستعيني بالله على المبادرة الى صالح العمل. اعملي بأخراك عمل من ايقن ان ايوم آخر عمره ومنتهى دهره، وغالب الشهوة الحرام قبل ضراوتها، فاذا إستقوت لم يقدر على منعها صاحبها، فالشهوة كالشجرة النابتة التي تزيدها طول المدة قوة وثباتاً وتزيد أسيرها ضعفاً وشتاتاً.
يا نفس يا نفس، لقد فتح ربك الرؤوف الرحيم باب التوبة والعودة الى صراطه المستقيم ونهجه القويم، فلاتغفلي عن طرق هذا الباب وأكثري م الاستغفار فالله يحب التوابين، كوني من الذين مدحهم الله جل جلاله فقال: «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ» (آل عمران، 135ـ136).
فسارعي يا نفس ـ عند كل خطيئة ـ الى مغفرة الغفور الرحيم بالتوبة والاستغفار، وحذار حذار من الاصرار فالاصرار على الذنوب موت القلوب.
يا نفس يا نفس، وحذار من اليأس من مغفرة الرب المجيب؛ فاليأس من رحمة الله اعظم الذنوب وأشد حبائل الشيطان؛ لا تنسي الاستغفار فهو من ذكر الله القهار، تأملي فيما قاله مولانا الصادق عليه السلام عن آية الاستغفار حيث قال: لما نزلت هذه الآية صرخ ابليس بأعلى صوته بعفاريته فأجتمعوا اليه، قال: نزلت هذه الآية فمن لها [يعني من يحرم الخلق من دخول باب الاستغفار الذي فتحه الله لهم فيها].
فقال الوسواس الخناس: أنا لها، أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فاذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار، فقال ابليس: أنت لها فوكله بها الى يوم القيامة.
فاستعيذي يا نفس بربك إِلَهِ النَّاسِ، مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ والهجي بالاستغفار.
يا نفس يا نفس، مالي اراك شديدة الحرص على الدرهم والدينار، خائفة من الفقر والاقتار؟ اليس الرزق مضمون قد ضمنه لعباده الرزاق ذو القوة المتين، فلماذا تحرصين؟ اجملي رحمك الله في طلب الرزق الحلال دون حرص ولا كسل ولا اخلال؛ فالكد على العيال عبادة اذا خلت من الحرص ذي الوبال؛ والا فالكد مع الحرص عبادة للدنيا وليس لله المتعال.
يا نفس، انفاسك معدودة واوقاتك محدودة، فاذا ذهب منك نفس فقد ذهب بعضك، فاغتنمي صحتك قبل سقمك وشبابك قبل هرمك واصغي لموعظة مولاي و مولاك امير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: جمع الخير في ثلاث خصال، النظر والسكوت والكلام، فكل نظر ليس فيه سهو، وكل سكوت ليس فيه فكر فهو غفلة وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبره، وسكوته فكراً وكلامه ذكراً.
يا نفس يا نفس، فديتك لا تضيعي اوقاتك، ولا تاسي على ما فاتك من الدنيا ولا تفرحي بما اتاك منها، واعلمي ان: اذا ابقت الدنيا على المرء دينه فما فاته منها فليس بضائر يا نفس وانظري الى الذين مضوا من اهل الدنيا، كيف بنو وعملوا ثم ذهبوا وخلوا لغيرهم الديار وحملوا معهم الاوزار.
ثم انظري الى حال اهل الدنيا، كيف يجمعون ملا ياكلون منه ويبنون ما لا يسكنون فيه وياملون ما يدركون، فهل تجدين اشد حمقا ممن يعمردنياه وهو مرتحل عنها يقينا ويخرب اخرته وهو صائر اليها قطعا رهينا؟!
فاي حسرة او اسى تستحقه دار خلقت للفناء لا للبقاء؟!
يا نفس يا نفس، أنت نفسي وأنا لك محب، لا ارجو لك الا الصلاح والفلاح، فإقبلي مني عتاب الودود الشفيق والناصح الرفيق، ولا تجعلي للشيطان والهوى سبيلاً اليك، فهما والله عدواك اللدودين يريدان ان يسلباك ديناك والدين، تأبط كل منهما شراً فلا يبغيان لك خيراً فأستعيذي يا حبيبتي منهما بربك الكريم فهو الغفور الرحيم وبحبائلهما عليهم وعلى دفع شرورها قادر قدير.
يا نفس يا نفس، لا شك انك تصدقين بيوم الحساب والوقوف بين يدي رب الارباب، ولكن لدي -يا عزيزتي - عتاب: اذا أراك تصدقين بكل ذلك باللسان وتكذبين بالجوارح والاعمال، والا كيف تتجرأين على العصيان وتتكاسلين عن طاعة الرحمان؟
الا يا نفس لا تعصي
وقد صدقت بالنص
الا يا نفس ما عذري
إذا هم غيبوا شخصي
الا يا نفس هل عزم
لأسعى سعي مختص
وأجهد في رضى ربي
وأستبري وأستقضي
وأخشى فتنة الدنيا
كما أخشى من اللص
وأنسى منزلاً رحباً
حذار قصاص مقتص
عدوي أنت يا نفسي
فكم سعي وكم حرص
ذنوبي في زيادات
وعمري لجّ في نقص
أنا في غمرتي ساه
وأعمالي لها مُحصي
يا نفس يا نفس، فديتك لا تكوني لي عدواً يجرني بالذنوب الى الفضيحة والخزي والسقوط في أسفل سافلين، بل كوني - فديتك- عوناً يرافقني بالانقياد الى الطاعات في سفر العروج الى عليين.
يا نفس يا نفس، ما تقولين في مريض قد غمرته الاسقام والالام، وحرمته الرقاد والمنام، فأشار عليه الاطباء بترك الماء البارد ثلاثة ايام ليصح حاله ويتهنأ بشربه بعدها مدى الاعوام.
أفلا يحكم العقل بان يصبر عن بارد الماء هذه الايام القليلة لكي يهنأ بعدها بشربه سنين طويلة؟
يا نفس صبراً على ما كان من ضرر
فرب منفعة يأتي بها الضرر
قد كنت احذر ما القاه من نكد ٍ
لو كان ينفعني في مثله الحذر
يا نفس يا نفس، ليت شعري، هل ان الم الصبر عن الشهوات وكظم الغيظ عن محرم العقوبات أعظم شدة واطول مدة؛ أم آلام عذاب النار التي سجرها للعاصين جبار السموات؟
فما بالي أراك تحتمين من الحر والبرد في الصيف والشتاء ولا تحتمين بترك المعاصي من عذاب النار وغضب القهار؟!
يا نفس؛ ان من لا يطيق الصبر في الدنيا على قضاء الوطر كيف يصبر في الآخرة على حرّ سقر؟
أسألكم الدعاء
الأحد يونيو 16, 2013 7:21 pm من طرف سلوى
» إيقاف العادات السيئة يبدأ من الدماغ
الأحد يونيو 16, 2013 7:13 pm من طرف سلوى
» دراستان تنصحان بالتعامل المبكر مع مشكلة زيادة الوزن لدى الاطفال
الإثنين نوفمبر 05, 2012 2:00 am من طرف مريم
» انتبه لغذائك بعد سن الأربعين
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:58 am من طرف مريم
» الكشف عن طريقة لإيقاف تدهور العضلات مع تقدم العمر
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:50 am من طرف مريم
» الوزن الزائد والسمنة يرتبطان بسوء أورام البروستات
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:11 am من طرف مريم
» الاختلاء بامرأة غريبة.. يصيب الرجل بأمراض خطيرة!
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:03 am من طرف مريم
» زيت الزيتون يعزّز صحة خلايا البشرة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 12:16 am من طرف مريم
» مستحضرات التجميل.. تتسبب بسن اليأس المبكر
الإثنين نوفمبر 05, 2012 12:08 am من طرف مريم