[b]
تعريب جامعاتنا العربية
مفكرة الإسلام: التعلم باللغة العربية في معاهدنا وجامعاتنا .. قضية ما تلبث أن تهدأ حتى تثار مرة أخرى، قطاع عريض من الأساتذة والطلبة يطالبون بأن يكون التعليم والتدريس في جامعاتنا باللغة العربية، وقطاع آخر ربما أقل يطالب بأن يبقى تدريس العلوم التطبيقية كالطب والهندسة وغيرها بالإنجليزية.
فهل تدريس العلوم التطبيقية الحديثة باللغة العربية يحتوي على قدر من الخطورة وعدم ضمان النجاح؟ وهل الطالب الذي يدرس المنهج بالإنجليزية يفهمه فعلاً كما لو كان يدرسه بالعربية؟ وماذا عن الدول العربية التي سارت قدماً في قضية تدريس العلوم التطبيقية بالعربية؟ وهل هناك تحديات مفروضة علينا أو لنقل هل هناك ضغوط خارجية كي لا تكون العربية هي لغة التدريس في جامعاتنا؟
الطالب لا يستوعب بالإنجليزية ما يستوعبه بالعربية
في البداية يقول د. عبد الحافظ حلمي عضو مجمع اللغة العربية ورئيس الجمعية المصرية لتعريب العلوم وعميد كلية علوم عين شمس الأسبق: إن لغة العلم في بلادنا في أزمة حقيقية .. والمشكلة تبدأ من الجامعة حين يعجز معظم طلابنا عن دقة الفهم وطلاقة التعبير باللغة الأجنبية فإنهم يعمدون إلى استظهار ما تم تلقينهم به دون فهم حقيقي، ثم إننا نجدهم في مواقف النقاش ملجمي اللسان، هذا فضلاً عن أن تلقينهم العلم بلغة أجنبية إنما يضفي هذا الوصف 'الأجنبي' على العلوم نفسها فلا يشعر الطالب بأن هذه العلوم تنتمي إليه وإلى بني قومه.
بل يعتقد أنها أقحمت على ذاكرته إقحاماً ولذلك فإن آثارها لا تلبث أن تزول، ومن ثم لا يصبح العلم والأسلوب العلمي جزءاً عضوياً من كيان الطالب الفكري والسلوكي.
وهذه القيود وهذه الغربة قد يقتلان في الطالب ما فطر عليه من مقدرة على الإبداع والابتكار.
ويضيف د. عبد الحافظ حلمي قائلاً: إنني قد ثبت عندي في تجربتي الشخصية أنه عندما قمت بتدريس مقرر جامعي معين لجماعتين من الطلاب متكافئتين على وجه العموم ولكن تلقته إحداهما بالعربية وتلقته الأخرى بالإنجليزية، فكانت حصيلة طلاب المجموعة الأولى أكبر وفهمهم للموضوع أتم وأعمق في وقت أقصر وبمجهود أقل. هذا بالإضافة إلى نقطة هامة وهي أن توحيد لغة العلم والحضارة والحياة له أثر بعيد في التقدم الحضاري، فإنه يزيل الحواجز بين لغة العلماء ولغة عامة الشعب مما يجعل مفاهيم العلم ونتائجه ومبتكراته متاحة للجماهير العريضة أي للثقافة والتطبيق.
أما د. عبد الصبور شاهين أستاذ فقه اللغة بكلية دار العلوم فيقول: إن الطلبة في المحاضرات التي تلقى بالإنجليزية لا يستوعبون ما يقال لهم وإنما يتلقونه مبتوراً مشوهاً نتيجة عجزهم عن إتقان الإنجليزية –غالباً- ونتيجة أيضاً لضعف لغة المحاضر المضطربة. وهكذا صار الطالب واقعاً تحت عجزين فيتخرج أعجز ما يكون، والهوة بينه وبين الطالب الإنجليزي أو الأمريكي الذي درس نفس التخصص كبيرة وواسعة جداً.
فالإنجليزية في هذا المقام لم تزد الطالب علماً وإنما زادته جهلاً وبعداً عن روح العلم ،بعكس ما إذا درس الطالب منهجاً كاملاً بلغته التي يتقنها فبلا شك سوف يتضاعف تحصيله في فترة وجيزة وبأقل مجهود.
بينما يتحدث د. أحمد العدوي الأستاذ بكلية هندسة جامعة حلوان عن مساويء التعلم بلغة أجنبية فيقول: إن أول ذلك هو المصاعب التي تواجه الطالب نظراً لبعده عن جذوره اللغوية وهذا يزيد من صعوبة المادة المدروسة فيتراجع التحصيل والإنتاج. وهذا يؤدي إلى تخريج طالب ضعيف المستوى بالمقارنة مع طالب تلقى علومه باللغة الأم. لأن تعلم لغة أجنبية ليس مجرد معرفة تعبيرات ومفردات ولكنه تأقلم مع حياة وبيئة وعادات وتقاليد شعوب أخرى.
أما محاسن التعليم باللغة الأم فلا يمكن حصرها وفي مقدمتها تطوير اللغة نفسها بحيث تصبح لغة علم وتقنية.
فلا جدال أن كل لغة حية في مجتمع نام متطور يجب أن تواكب النمو والتطور لأن توقفها عن النمو والتطور هو سبيلها إلى الفناء والزوال. والتطور والنمو في اللغة العربية يعني تزايداً في مفرداتها وتعبيراتها بما يتلاءم مع العصر وما فيه من علوم. ونقل العلوم إلى اللغة الأم يسهل على الإنسان تتبع التعليم واستمراره ومتابعة ما يستجد على الساحة العلمية وتتحقق الفائدة لأوسع قاعدة في المجتمع، ونفس الأمر للذين يرغبون في متابعة تعليمهم عن بعد عبر الجامعات العربية المفتوحة وإيصال العلم والتعلم لجميع طبقات المجتمع.
التجربة السورية تدحض الحجج
هناك حجة يقول أصحابها: إن تدريس العلوم الطبيعية الحديثة باللغة العربية سوف يقطع الصلة بيننا وبين أصول هذه العلوم في بلادها ويعمل على موت البحث العلمي في هذه العلوم.
هذه الحجة يرد عليها د. أحمد بلال الأستاذ بكلية العلوم جامعة دمشق فيقول: إن التجربة العلمية السورية هي خير رد على ذلك فقد بدأنا بتعريب الطب ونقلناه إلى العربية وأصبح في يد كل طالب كتاب على الأقل في كل تخصص من التخصصات أو في كل مادة من المواد.
ومنذ سنوات طويلة يتخرج الأطباء السوريون وقد تلقوا تعليمهم باللغة العربية وذهبوا وانتشروا في أنحاء العالم ولم يقل أحد إن مستواهم ضعيف بل العكس هو الصحيح فمستواهم أفضل من زملائهم.
والأخطر من ذلك أن صارت الدرجات العلمية العليا مثل الماجستير والدكتور تمنح من الجامعات السورية باللغة العربية.
والآن صار التعلم باللغة العربية في التخصصات المختلفة غير الطب هو الأساس.
بينما يتحدث د. نوفل الأحمد أستاذ الهندسة الميكانيكية عن تجربته أثناء سفره وعمله أستاذاً في جامعة بنغازي الليبية، حيث كان التدريس باللغة الإنجليزية عن طريق أساتذة أجانب، وكان المحاضر يكتب ملخص للمحاضرة على السبورة وينقله الطالب ويحفظه، إلى جانب أن الأستاذ يعطي جزءاً قليلاً من المنهج لا يتعدى عشرين صفحة يمتحن فيها الطالب.
فلاشك أن هذا لا يمكن أن يكون تعليم، ثم كان التعليم بعد ذلك عن طريق أساتذة عرب ولكن باللغة الإنجليزية لكن كان الشرح باللغة العربية، وكان الطالب يسأل عن بعض معاني المفردات والمصطلحات، ثم اتخذ رئيس الجامعة قرار التعريب الشامل، أي أن يكون الأستاذ عربياً والمحاضرة والكتاب باللغة العربية. وهنا ظهر الارتياح والانفراج بين الطلبة، وأثناء ذلك تم إجراء استبيان سئل فيها الطلبة أربعة أسئلة :
فكان السؤال الأول: هل زاد حجم المعلومات أثناء المحاضرة عما كان عليه باللغة الإنجليزية فأجاب 88% بنعم و12% بلا.
وكان السؤال الثاني : هل أصبح الاستيعاب والفهم أكثر مما كان عليه؟ وكان الجواب 85% بنعم و15% لا.
وكان السؤال الثالث: هل ازدادت مساهمة الطلاب في المناقشة؟ فأجاب 80% بنعم و20% بلا .
وكان السؤال الرابع : هل قلت الزيارة للمكتبة فأجاب 65% بنعم و35% بلا.
امتهان اللغة العربية هو السبب!!
يؤكد د. عبد الغني عبود أستاذ التربية بجامعة عين شمس أننا نذبح اللغة العربية بأيدينا ولا نعول عليها في تقرير مصيرنا العلمي والتقني ومن ثم مصيرنا الحضاري. فكل المنابع التعليمية تصب في نهر اللغة الأجنبية وكل الفرص العملية حكر على متقني هذه اللغات دون غيرهم. حتى صارت الموضة في الإعلانات مطلوب خريجي مدارس اللغات والجامعة الأمريكية.
لقد ازداد الاهتمام بتعليم اللغات في مدارس التعليم العام وخاصة الإنجليزية وكذلك في مدارس اللغات التي أصبحت منتشرة بأعداد هائلة، وهي مدارس تتخذ من الإنجليزية لغة تعليم وتجعل من العربية مجرد مادة تعليمية يمكن الاستغناء عنها. وصارت وسائل الإعلام تحبذ الحديث بالإنجليزية وسط لا مبالاة من المسئولين عن السياسة التعليمية بإعادة الاعتبار للغة العربية على كافة المستويات. فهذه هي البداية الصحيحة حتى إن معظم المحلات التجارية أصبحت تتخذ لها أسماء أجنبية مثل إسلامكو للحدايد والبويات، وشعبانكو للديكور وهكذا حتى انتشر هذا البلاء في مجتمعنا كالسرطان.
ويضيف د. عبد الغني عبود أن الخطر الذي يحدق باللغة العربية ليس سهلاً إنما هو خطر يتربص بتراثنا وأصولنا وجذورنا الثقافية والعقائدية والحضارية وهدفه هو محو جذورنا تماماً وإلحاقنا بتراث الغرب ولغته.
هل هي مؤامرة عالمية؟
غير أن د. عبد الصبور شاهين يضفي على الموضوع بعداً آخر وهو الضغوط العالمية التي تمارس لفرض التعليم باللغات الأجنبية فيقول: إن المسألة ليست ذات بعد واحد يتصل بالسياسات التعليمية الداخلية بل هي ذات بعد خارجي أيضاً يتمثل في علاقتنا بالقوى الحاكمة في العالم. وبذلك توشك القضية أن تكون قدراً من الأقدار الاستعمارية تمارس من خلاله القوى الكبرى سياستها الرامية إلى فرص التبعية العلمية على أمتنا العربية من خلال فرض الإنجليزية لغة للتعليم في عالم المتخلفين.
ويسوق د. عبد الصبور شاهين مثالاً على ذلك فيقول: لقد كان التعليم في المملكة المغربية يلتزم باللغة الفرنسية لغة رسمية طيلة الثلاثين عاماً التالية للاستقلال الوطني، وكانت سياسة الدولة تقوم على هذا المبدأ حتى ارتأى الملك الحسن الثاني ضرورة البدء بتعريب التعلم قبل وفاته بسنوات قليلة، فثارت ثورة الفرنسيين على هذا القرار واعتبروه قطيعة بين المغرب والحضارة الفرنسية أو الفرانكفونية.
وكذلك كان الحال مع الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين الذي كان متحمساً للتعريب حماسة شديدة فقابل ضغوطاً فرنسية لا حصر لها.
وكذلك الحال بالنسبة إلى أي بلد يفكر في استخدام لغته القومية، ولاسيما في العالم العربي، وكثيراً ما نسمع عن أن العربية لغة ميتة متخلفة.
هذا على الرغم من أن استخدامنا للإنجليزية لم يعتقنا من التخلف، فنحن لم نستفد من هذه التبعية سوى أننا أتباع فقط، وحسبنا أن نقوم بهذا الدور. أما إسرائيل فتفتح لها الخزائن المالية والعلمية والتقنية. وهكذا فإن تخلفنا ليس إلا قدراً استعمارياً تفرضه السياسات المعادية .. حتى ولو صلينا لهم بالإنجليزية.
هل اللغة العربية ليست لغة علم؟
يقول د. جعفر عبد السلام نائب الأستاذ بجامعة الأزهر: إن من يقولون إن التعريب سوف يؤدي إلى هبوط مستوانا العلمي وإن اللغة العربية ليست قادرة على التعبير عن علوم العصر، فإن هذه دعوى باطلة لأن العربية كتبت بها العلوم الحديثة، فكتاب القانون في الطب لابن سينا وكتب البيروني وغيرها التي تعلم عليها العالم كتبت بالعربية.
كذلك فهناك تجربتان في منطقتنا العربية ناجحتان تماماً الأولى هي التجربة الإسرائيلية التي تدرس الآن باللغة العبرية ولم يقل أحد أن اللغة العبرية متخلفة ولا تواكب التطور العلمي الحديث، رغم أن العبرية كانت قد ماتت واندثرت ولكن إرادة الإسرائيليين القومية هي التي حققت ذلك.
والتجربة الناجحة الثانية كانت في سوريا .. فالتعليم العالي هناك يتم الآن باللغة العربية دون أية مشاكل.
بل إن فيتنام تم فيها 'فتنمة الطب' أي نقله إلى لغة فيتنام القومية، وقد أعطى الرئيس 'خوشي منه' مهلة سنة للمسئولين يتم فيها فتنمة الطب وقد كان له ما أراد.
أما التجربة اليابانية والتجربة الألمانية فعمرهما متقدم وقد نجحتا تماماً، فلماذا يقال عن العربية بالذات إنها ليست لغة علم، رغم أنها كانت لغة العلم لقرون طويلة كما ذكرنا؟.
ملحوظة مهمة جداً:
قد يقول قائل ماذا يريد الحاسوب فهو يناقض نفسه فبالأمس يطالب بمنتدى للغة الإنجليزية واليوم يأتينا بهذه المشاركة، فماذا ورائه؟ وماذا يريد؟
إن تعلم لغات أخرى مهم ومفيد بل ومطلوب أيضاً وعلينا أن نتعلم ونعلم أبنائنا ما استطعنا من اللغات الأجنبية ولا ندعهم حتى يتمكنوا من إتقانها. وفي نفس الوقت علينا أن لا نشارك في طمس هوايتهم العربية من خلال تخلينا نحن أولاً عن لغتنا بحجج واهيه فنسمع دائماً أنه لا بد لك أن تدرس الطب والهندسة والحاسب وغيرها من العلوم باللغة الإنجليزية لتصبح متمكناً فيها، وما هي إلا دعوه للقضاء على لغة القرآن وللأسف هناك من بني جلدتنا من انساقوا وراء هذه التراهات إما عن جهلهم بما يحاك لهذه الأمة أو لتواطؤهم مع الأعداء. ربما لدي الكثير لكني لن أستطيع ان أوفيه في هذه المشاركة، من أراد مناقشتي فعليه الرد على المشاركة وأنا في أتم الإستعداد لذلك.[/b]
تعريب جامعاتنا العربية
مفكرة الإسلام: التعلم باللغة العربية في معاهدنا وجامعاتنا .. قضية ما تلبث أن تهدأ حتى تثار مرة أخرى، قطاع عريض من الأساتذة والطلبة يطالبون بأن يكون التعليم والتدريس في جامعاتنا باللغة العربية، وقطاع آخر ربما أقل يطالب بأن يبقى تدريس العلوم التطبيقية كالطب والهندسة وغيرها بالإنجليزية.
فهل تدريس العلوم التطبيقية الحديثة باللغة العربية يحتوي على قدر من الخطورة وعدم ضمان النجاح؟ وهل الطالب الذي يدرس المنهج بالإنجليزية يفهمه فعلاً كما لو كان يدرسه بالعربية؟ وماذا عن الدول العربية التي سارت قدماً في قضية تدريس العلوم التطبيقية بالعربية؟ وهل هناك تحديات مفروضة علينا أو لنقل هل هناك ضغوط خارجية كي لا تكون العربية هي لغة التدريس في جامعاتنا؟
الطالب لا يستوعب بالإنجليزية ما يستوعبه بالعربية
في البداية يقول د. عبد الحافظ حلمي عضو مجمع اللغة العربية ورئيس الجمعية المصرية لتعريب العلوم وعميد كلية علوم عين شمس الأسبق: إن لغة العلم في بلادنا في أزمة حقيقية .. والمشكلة تبدأ من الجامعة حين يعجز معظم طلابنا عن دقة الفهم وطلاقة التعبير باللغة الأجنبية فإنهم يعمدون إلى استظهار ما تم تلقينهم به دون فهم حقيقي، ثم إننا نجدهم في مواقف النقاش ملجمي اللسان، هذا فضلاً عن أن تلقينهم العلم بلغة أجنبية إنما يضفي هذا الوصف 'الأجنبي' على العلوم نفسها فلا يشعر الطالب بأن هذه العلوم تنتمي إليه وإلى بني قومه.
بل يعتقد أنها أقحمت على ذاكرته إقحاماً ولذلك فإن آثارها لا تلبث أن تزول، ومن ثم لا يصبح العلم والأسلوب العلمي جزءاً عضوياً من كيان الطالب الفكري والسلوكي.
وهذه القيود وهذه الغربة قد يقتلان في الطالب ما فطر عليه من مقدرة على الإبداع والابتكار.
ويضيف د. عبد الحافظ حلمي قائلاً: إنني قد ثبت عندي في تجربتي الشخصية أنه عندما قمت بتدريس مقرر جامعي معين لجماعتين من الطلاب متكافئتين على وجه العموم ولكن تلقته إحداهما بالعربية وتلقته الأخرى بالإنجليزية، فكانت حصيلة طلاب المجموعة الأولى أكبر وفهمهم للموضوع أتم وأعمق في وقت أقصر وبمجهود أقل. هذا بالإضافة إلى نقطة هامة وهي أن توحيد لغة العلم والحضارة والحياة له أثر بعيد في التقدم الحضاري، فإنه يزيل الحواجز بين لغة العلماء ولغة عامة الشعب مما يجعل مفاهيم العلم ونتائجه ومبتكراته متاحة للجماهير العريضة أي للثقافة والتطبيق.
أما د. عبد الصبور شاهين أستاذ فقه اللغة بكلية دار العلوم فيقول: إن الطلبة في المحاضرات التي تلقى بالإنجليزية لا يستوعبون ما يقال لهم وإنما يتلقونه مبتوراً مشوهاً نتيجة عجزهم عن إتقان الإنجليزية –غالباً- ونتيجة أيضاً لضعف لغة المحاضر المضطربة. وهكذا صار الطالب واقعاً تحت عجزين فيتخرج أعجز ما يكون، والهوة بينه وبين الطالب الإنجليزي أو الأمريكي الذي درس نفس التخصص كبيرة وواسعة جداً.
فالإنجليزية في هذا المقام لم تزد الطالب علماً وإنما زادته جهلاً وبعداً عن روح العلم ،بعكس ما إذا درس الطالب منهجاً كاملاً بلغته التي يتقنها فبلا شك سوف يتضاعف تحصيله في فترة وجيزة وبأقل مجهود.
بينما يتحدث د. أحمد العدوي الأستاذ بكلية هندسة جامعة حلوان عن مساويء التعلم بلغة أجنبية فيقول: إن أول ذلك هو المصاعب التي تواجه الطالب نظراً لبعده عن جذوره اللغوية وهذا يزيد من صعوبة المادة المدروسة فيتراجع التحصيل والإنتاج. وهذا يؤدي إلى تخريج طالب ضعيف المستوى بالمقارنة مع طالب تلقى علومه باللغة الأم. لأن تعلم لغة أجنبية ليس مجرد معرفة تعبيرات ومفردات ولكنه تأقلم مع حياة وبيئة وعادات وتقاليد شعوب أخرى.
أما محاسن التعليم باللغة الأم فلا يمكن حصرها وفي مقدمتها تطوير اللغة نفسها بحيث تصبح لغة علم وتقنية.
فلا جدال أن كل لغة حية في مجتمع نام متطور يجب أن تواكب النمو والتطور لأن توقفها عن النمو والتطور هو سبيلها إلى الفناء والزوال. والتطور والنمو في اللغة العربية يعني تزايداً في مفرداتها وتعبيراتها بما يتلاءم مع العصر وما فيه من علوم. ونقل العلوم إلى اللغة الأم يسهل على الإنسان تتبع التعليم واستمراره ومتابعة ما يستجد على الساحة العلمية وتتحقق الفائدة لأوسع قاعدة في المجتمع، ونفس الأمر للذين يرغبون في متابعة تعليمهم عن بعد عبر الجامعات العربية المفتوحة وإيصال العلم والتعلم لجميع طبقات المجتمع.
التجربة السورية تدحض الحجج
هناك حجة يقول أصحابها: إن تدريس العلوم الطبيعية الحديثة باللغة العربية سوف يقطع الصلة بيننا وبين أصول هذه العلوم في بلادها ويعمل على موت البحث العلمي في هذه العلوم.
هذه الحجة يرد عليها د. أحمد بلال الأستاذ بكلية العلوم جامعة دمشق فيقول: إن التجربة العلمية السورية هي خير رد على ذلك فقد بدأنا بتعريب الطب ونقلناه إلى العربية وأصبح في يد كل طالب كتاب على الأقل في كل تخصص من التخصصات أو في كل مادة من المواد.
ومنذ سنوات طويلة يتخرج الأطباء السوريون وقد تلقوا تعليمهم باللغة العربية وذهبوا وانتشروا في أنحاء العالم ولم يقل أحد إن مستواهم ضعيف بل العكس هو الصحيح فمستواهم أفضل من زملائهم.
والأخطر من ذلك أن صارت الدرجات العلمية العليا مثل الماجستير والدكتور تمنح من الجامعات السورية باللغة العربية.
والآن صار التعلم باللغة العربية في التخصصات المختلفة غير الطب هو الأساس.
بينما يتحدث د. نوفل الأحمد أستاذ الهندسة الميكانيكية عن تجربته أثناء سفره وعمله أستاذاً في جامعة بنغازي الليبية، حيث كان التدريس باللغة الإنجليزية عن طريق أساتذة أجانب، وكان المحاضر يكتب ملخص للمحاضرة على السبورة وينقله الطالب ويحفظه، إلى جانب أن الأستاذ يعطي جزءاً قليلاً من المنهج لا يتعدى عشرين صفحة يمتحن فيها الطالب.
فلاشك أن هذا لا يمكن أن يكون تعليم، ثم كان التعليم بعد ذلك عن طريق أساتذة عرب ولكن باللغة الإنجليزية لكن كان الشرح باللغة العربية، وكان الطالب يسأل عن بعض معاني المفردات والمصطلحات، ثم اتخذ رئيس الجامعة قرار التعريب الشامل، أي أن يكون الأستاذ عربياً والمحاضرة والكتاب باللغة العربية. وهنا ظهر الارتياح والانفراج بين الطلبة، وأثناء ذلك تم إجراء استبيان سئل فيها الطلبة أربعة أسئلة :
فكان السؤال الأول: هل زاد حجم المعلومات أثناء المحاضرة عما كان عليه باللغة الإنجليزية فأجاب 88% بنعم و12% بلا.
وكان السؤال الثاني : هل أصبح الاستيعاب والفهم أكثر مما كان عليه؟ وكان الجواب 85% بنعم و15% لا.
وكان السؤال الثالث: هل ازدادت مساهمة الطلاب في المناقشة؟ فأجاب 80% بنعم و20% بلا .
وكان السؤال الرابع : هل قلت الزيارة للمكتبة فأجاب 65% بنعم و35% بلا.
امتهان اللغة العربية هو السبب!!
يؤكد د. عبد الغني عبود أستاذ التربية بجامعة عين شمس أننا نذبح اللغة العربية بأيدينا ولا نعول عليها في تقرير مصيرنا العلمي والتقني ومن ثم مصيرنا الحضاري. فكل المنابع التعليمية تصب في نهر اللغة الأجنبية وكل الفرص العملية حكر على متقني هذه اللغات دون غيرهم. حتى صارت الموضة في الإعلانات مطلوب خريجي مدارس اللغات والجامعة الأمريكية.
لقد ازداد الاهتمام بتعليم اللغات في مدارس التعليم العام وخاصة الإنجليزية وكذلك في مدارس اللغات التي أصبحت منتشرة بأعداد هائلة، وهي مدارس تتخذ من الإنجليزية لغة تعليم وتجعل من العربية مجرد مادة تعليمية يمكن الاستغناء عنها. وصارت وسائل الإعلام تحبذ الحديث بالإنجليزية وسط لا مبالاة من المسئولين عن السياسة التعليمية بإعادة الاعتبار للغة العربية على كافة المستويات. فهذه هي البداية الصحيحة حتى إن معظم المحلات التجارية أصبحت تتخذ لها أسماء أجنبية مثل إسلامكو للحدايد والبويات، وشعبانكو للديكور وهكذا حتى انتشر هذا البلاء في مجتمعنا كالسرطان.
ويضيف د. عبد الغني عبود أن الخطر الذي يحدق باللغة العربية ليس سهلاً إنما هو خطر يتربص بتراثنا وأصولنا وجذورنا الثقافية والعقائدية والحضارية وهدفه هو محو جذورنا تماماً وإلحاقنا بتراث الغرب ولغته.
هل هي مؤامرة عالمية؟
غير أن د. عبد الصبور شاهين يضفي على الموضوع بعداً آخر وهو الضغوط العالمية التي تمارس لفرض التعليم باللغات الأجنبية فيقول: إن المسألة ليست ذات بعد واحد يتصل بالسياسات التعليمية الداخلية بل هي ذات بعد خارجي أيضاً يتمثل في علاقتنا بالقوى الحاكمة في العالم. وبذلك توشك القضية أن تكون قدراً من الأقدار الاستعمارية تمارس من خلاله القوى الكبرى سياستها الرامية إلى فرص التبعية العلمية على أمتنا العربية من خلال فرض الإنجليزية لغة للتعليم في عالم المتخلفين.
ويسوق د. عبد الصبور شاهين مثالاً على ذلك فيقول: لقد كان التعليم في المملكة المغربية يلتزم باللغة الفرنسية لغة رسمية طيلة الثلاثين عاماً التالية للاستقلال الوطني، وكانت سياسة الدولة تقوم على هذا المبدأ حتى ارتأى الملك الحسن الثاني ضرورة البدء بتعريب التعلم قبل وفاته بسنوات قليلة، فثارت ثورة الفرنسيين على هذا القرار واعتبروه قطيعة بين المغرب والحضارة الفرنسية أو الفرانكفونية.
وكذلك كان الحال مع الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين الذي كان متحمساً للتعريب حماسة شديدة فقابل ضغوطاً فرنسية لا حصر لها.
وكذلك الحال بالنسبة إلى أي بلد يفكر في استخدام لغته القومية، ولاسيما في العالم العربي، وكثيراً ما نسمع عن أن العربية لغة ميتة متخلفة.
هذا على الرغم من أن استخدامنا للإنجليزية لم يعتقنا من التخلف، فنحن لم نستفد من هذه التبعية سوى أننا أتباع فقط، وحسبنا أن نقوم بهذا الدور. أما إسرائيل فتفتح لها الخزائن المالية والعلمية والتقنية. وهكذا فإن تخلفنا ليس إلا قدراً استعمارياً تفرضه السياسات المعادية .. حتى ولو صلينا لهم بالإنجليزية.
هل اللغة العربية ليست لغة علم؟
يقول د. جعفر عبد السلام نائب الأستاذ بجامعة الأزهر: إن من يقولون إن التعريب سوف يؤدي إلى هبوط مستوانا العلمي وإن اللغة العربية ليست قادرة على التعبير عن علوم العصر، فإن هذه دعوى باطلة لأن العربية كتبت بها العلوم الحديثة، فكتاب القانون في الطب لابن سينا وكتب البيروني وغيرها التي تعلم عليها العالم كتبت بالعربية.
كذلك فهناك تجربتان في منطقتنا العربية ناجحتان تماماً الأولى هي التجربة الإسرائيلية التي تدرس الآن باللغة العبرية ولم يقل أحد أن اللغة العبرية متخلفة ولا تواكب التطور العلمي الحديث، رغم أن العبرية كانت قد ماتت واندثرت ولكن إرادة الإسرائيليين القومية هي التي حققت ذلك.
والتجربة الناجحة الثانية كانت في سوريا .. فالتعليم العالي هناك يتم الآن باللغة العربية دون أية مشاكل.
بل إن فيتنام تم فيها 'فتنمة الطب' أي نقله إلى لغة فيتنام القومية، وقد أعطى الرئيس 'خوشي منه' مهلة سنة للمسئولين يتم فيها فتنمة الطب وقد كان له ما أراد.
أما التجربة اليابانية والتجربة الألمانية فعمرهما متقدم وقد نجحتا تماماً، فلماذا يقال عن العربية بالذات إنها ليست لغة علم، رغم أنها كانت لغة العلم لقرون طويلة كما ذكرنا؟.
ملحوظة مهمة جداً:
قد يقول قائل ماذا يريد الحاسوب فهو يناقض نفسه فبالأمس يطالب بمنتدى للغة الإنجليزية واليوم يأتينا بهذه المشاركة، فماذا ورائه؟ وماذا يريد؟
إن تعلم لغات أخرى مهم ومفيد بل ومطلوب أيضاً وعلينا أن نتعلم ونعلم أبنائنا ما استطعنا من اللغات الأجنبية ولا ندعهم حتى يتمكنوا من إتقانها. وفي نفس الوقت علينا أن لا نشارك في طمس هوايتهم العربية من خلال تخلينا نحن أولاً عن لغتنا بحجج واهيه فنسمع دائماً أنه لا بد لك أن تدرس الطب والهندسة والحاسب وغيرها من العلوم باللغة الإنجليزية لتصبح متمكناً فيها، وما هي إلا دعوه للقضاء على لغة القرآن وللأسف هناك من بني جلدتنا من انساقوا وراء هذه التراهات إما عن جهلهم بما يحاك لهذه الأمة أو لتواطؤهم مع الأعداء. ربما لدي الكثير لكني لن أستطيع ان أوفيه في هذه المشاركة، من أراد مناقشتي فعليه الرد على المشاركة وأنا في أتم الإستعداد لذلك.[/b]
الأحد يونيو 16, 2013 7:21 pm من طرف سلوى
» إيقاف العادات السيئة يبدأ من الدماغ
الأحد يونيو 16, 2013 7:13 pm من طرف سلوى
» دراستان تنصحان بالتعامل المبكر مع مشكلة زيادة الوزن لدى الاطفال
الإثنين نوفمبر 05, 2012 2:00 am من طرف مريم
» انتبه لغذائك بعد سن الأربعين
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:58 am من طرف مريم
» الكشف عن طريقة لإيقاف تدهور العضلات مع تقدم العمر
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:50 am من طرف مريم
» الوزن الزائد والسمنة يرتبطان بسوء أورام البروستات
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:11 am من طرف مريم
» الاختلاء بامرأة غريبة.. يصيب الرجل بأمراض خطيرة!
الإثنين نوفمبر 05, 2012 1:03 am من طرف مريم
» زيت الزيتون يعزّز صحة خلايا البشرة
الإثنين نوفمبر 05, 2012 12:16 am من طرف مريم
» مستحضرات التجميل.. تتسبب بسن اليأس المبكر
الإثنين نوفمبر 05, 2012 12:08 am من طرف مريم